Thursday 8th may,2003 11179العدد الخميس 7 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوافذ نوافذ
الاستنساخ
أميمة الخميس

تسيطر على بعض الطروحات الإعلامية ولاسيما الشعبي منها تعابير مكرورة ومستهلكة إلى حد الابتذال من ناحية، ومن ناحية أخرى تعكس الآلية التي يعمل بها الوجدان الشعبي ويفسر العالم من حوله.
ومن هذه التعبيرات أو التشبيهات تعبير (شمعة تحترق) هذه الشمعة التي تحترق منذ دهور طويلة وعجزنا عن إيقاف احتراقها بأي شكل، فبعض المحررين في الصحف يستعملها بصورة دائمة وبين ثنايا السطور.
كذلك بعض المذيعين والمذيعات والمراسلين وسواهم، حتى أصبح تعبير شمعة تحترق (كليشة) مكرورة للإشارة إلى أي فرد من حولنا يبذل جهداً أو طاقةً.
فهم يشيرون إلى الجندي كونه شمعة تحترق، ويشيرون إلى الممرضة كونها شمعة تحترق، ويشيرون إلى المعلم كونه شمعة تحترق، لكي يضيء الدرب للأجيال القادمة.
وحتى الأمومة لم تسلم من نيرانهم فهم يصورون مشاعر الأمومة الرائعة اللذيذة كنوع من الاحتراق (على حين هي في حقيقتها متعة تزين الحياة الدنيا).
ولكن اصحاب الشمعة المحترقة يصرون على هذا التعبير في ضحالة فكرية، وقصور لغوي يصر على استعادة واستنساخ السائد والمكرور دون تجديد دون إضافة دون مقاربة جسورة ومختلفة مع اللغة.
ولعل هذا التعبير يلخص نظرة مجتمعية خاصة تجاه النشاط والعمل، كونه احتراقا وفناءً وشكلاً من أشكال العذاب المتصل!!
فالوجدان الشعبي الذي أخرج هذا التعبير لا يجعل العمل والنشاط والعطاء قيمة سامية بحد ذاتها، قيمة تتحقق بذاتها وبمتعة الإنتاج وبمتعة الخلق والإضافة وإعمار هذا الكون بالمنجز البشري الخلاق.
الذي يروج لهذا التعبير عقلية كسولة متواكلة ترى في العمل نوعاً من الكسل والتلاشي.
وكما توضح حكم وأمثال الشعوب مفهومها الفلسفي عن الحياة والكون من حولها، كذلك تبرز التعبيرات اللغوية السائدة في الخطاب الإعلامي هذه الفلسفة التي تحدد مدى تغلغل فلسفة التواكل والخمول في مفهومنا ونسيجنا الثقافي.
فالعمل ليس متعة بحد ذاته وليس مدى مفتوحاً على عدد هائل من الاحتمالات، بل هو مرادف للعذاب المتصل.
أي أن الفرد لا يكتشف ذاته ولا يجد روحه وخباياه من خلال فاعليته الإنتاجية، بل الإنتاج يتحول هنا إلى حضور آني مؤقت، لابد ان نسرع في مغادرة ويلاته وحرائقه.
فالجندي يحترق وينتظر انتهاء دوامه ليتخلص من حريقه، كذلك المعلم يحترق، والممرضة التي تحترق.. وهكذا.
تبقى هنا الأم التي ليس هناك حدود لعذابها، على حين إن الأمومة هي غابة من البهجة والسعادة التي تزين الحياة الدنيا.
ولكننا من الموجع.. ابتلينا بعدد من التعبيرات والمفاهيم، التي تشتبك مع الخيال الشعبي وتشوهه، وتخلع عليه حللاً بالية وبائسة في الوقت نفسه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved