Thursday 8th may,2003 11179العدد الخميس 7 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أضواء أضواء
مدخل للحديث عن زلزال العراق
جاسر عبدالعزيز الجاسر

ما حصل في العراق لا ينحصر بمجرد تغيير نظام وإسقاط حاكم كان يشكِّل ظاهرة تجاوزت كل الظواهر السلبية التي شهدتها المنطقة العربية، والعديد من دول العالم الثالث.
ومثلما نرى فإن ما حصل في العراق تتواصل تداعياته مترافقة مع متغيّرات أخذت تطول العديد من الأسس والثوابت وبالذات في تكوينات وجغرافية الدول التي أخذت مؤشراتها الأولى تظهر على العراق، وبالأصح على عراق ما بعد صدام حسين.
خطورة التغيّرات التي يراد إحداثها في العراق من أنها مقدمة لما يخطط للمنطقة العربية، بل تنبه بعض الدراسات والأفكار التي خرجت من واشنطن وبالذات من مراكز البحث ومعاهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية، بأن النموذج العراقي سيكون المختبر الذي ستطبق نتائجه على عموم الوطن الإسلامي، إذ تسعى جماعة من أصحاب الفكر المحافظ الذي لا يحمل أتباعه وداً للمسلمين، أمة وديناً وفكراً وحضارة.
لذا فإن هؤلاء الذين يتصورون أن حضارتهم لا يمكن أن تستمر في تفوقها وتسلطها إلا بوجود «عدو» يرث «العدو السابق» الاشتراكية العلمية التي كان يمثلها الاتحاد السوفياتي المنهار.
وقد خلص هؤلاء إلى أن المسلمين أمة ودولاً وشعوباً هم الأكثر تأهيلاً لوراثة صفة «العدو» لامتلاكهم لكثير من المقومات، وأيضاً لوجود أسباب و«حوافز» للقوى المعادية لهم، بالإضافة إلى مبررات توفِّر الغطاء لهذه القوى لافتعال المعارك وشن الحروب.
مبررات شن الحروب والعدوان على الدول الإسلامية تهيئة لهؤلاء المحرضين على الكره والعداء لغيرهم من الأمم، والحوافز و«ثمن» وكسب غنائم الحروب عجلت بتشخيص الدول الإسلامية وشعوبها كأعداء بديلين للعدو المندثر، أقصد الاشتراكيين العلميين السوفيت وكتلتهم المشتتة. وهكذا بدأ التحريض وتكوين الكراهية قوبلت بردود فعل تجاوزت الروية وخرجت عن أثواب الحكمة وألبست ثياب الإرهاب، مما عجَّل بحصول الاعداء على مبررات وأسباب تكريس العدو، وتثبيته وحيداً في مواجهة القوة العاتية، وهكذا جاء اجتياح أفغانستان، وإن لم تقسم إلا أنها أخضعت لسطوة القوة والهيمنة، ثم تأتي المرحلة الثانية، وهذه المرة في القلب، وفي دائرة المركز الإسلامي ليس إستراتيجيا واقتصاديا فحسب، بل يمتد إلى البعد الديني والحضاري والثقافي.
فالعراق المحتل حاليا، والخاضع لقوة الحضارة المضادة، ليس أحد الأقطار الاسلامية القلائل التي تشكِّل القلب الإسلامي فحسب، بل أيضا يمثِّل العمق الحضاري الإنساني والإسلامي معاً، فمن هذا البلد ظهر أول قانون للبشرية، ومنه أيضا ظهر أربعة من أئمة المذاهب الإسلامية، فبالإضافة الى أبي حنيفة النعمان يتعملق كل من أحمد بن حنبل، والشافعي وجعفر الصادق، إضافة الى أئمة الحديث واللغة والشعر والأدب والعلم.
إذن فاختيار العراق سواء بزرع نظام أوجد المبرر لقدوم القوى الغازية، أو إتمام الغزو وليس صدفة أو عبثاً، فللموقع أهمية وغاية وللحضارة هدف، وللإسهام العلمي والبعد الديني بعد إستراتيجي وتحقيق لما يريدون إحداثه.
وبعد غدٍ نواصل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved