Thursday 8th may,2003 11179العدد الخميس 7 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رغم تحقيق النصر في العراق رغم تحقيق النصر في العراق
صراع الصقور والحمائم ما زال متفجرا داخل الإدارة الأمريكية
الخلافات بين الجانبين اتسعت لتشمل كل ما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه العراق

  * القاهرة - مكتب الجزيرة - على البلهاسي:
أثار اعلان تعيين بول بريمر الرئيس السابق لمكتب مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الأمريكية حاكما مدنيا للعراق بدلا من الجنرال المتقاعد جاي جارنر جدلا حول ما اذا كان ذلك يمثل انتصارا لوزارة الخارجية في خلافها الذي بات شبه معلن مع وزارة الدفاع البنتاجون حول طريقة ادارة العراق بعد الاطاحة بالنظام السابق وهو ما رأى فيه المراقبون تعزيزاً لرؤية تيار وزارة الخارجية الذي يقوده باول أو أطروحاته المتعلقة بمستقبل العراق وانتكاسة لتيار الصقور في وزارة الدفاع الذي يقوده رامسفيلد .
المعروف ان بريمر سيرأس فريق الادارة المدنية في العراق الذي سيضم أيضاً الجنرال جارنر والمبعوث الخاص للبيت الابيض خليل زلماي وسيبقى جارنر مسئولا عن محاولة استئناف عمل الخدمات الاساسية ولكنه سيكون تحت إمرة بريمر الذي سبق له العمل كرئيس للجنة الوطنية لمكافحة الارهاب في الكونجرس ومساعدا لستة وزراء خارجية سابقين من ضمنهم هنري كسينجر والكسندر هيج كما عينه الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان سفيرا متجولا لمحاربة الارهاب عام 1986.
ويرى المراقبون ان تعيين بريمر وتقليص سلطات جارنر جاءا بعد ضغوط من وزارة الخارجية التي استغلت أخطاء جارنر المتراكمة والاخطاء التي ارتكبها المحيطون به من الموالين لوزارة الدفاع الأمريكية لاقناع البيت الابيض بضرورة تغيير السياسة الأمريكية في العراق وانتقد مسئولو وزارة الخارجية اداء جارنر وبطئه في اعادة الخدمات الرئيسية إلى العاصمة العراقية مما يهدد بزيادة سخط العراقيين ضد القوات الأمريكية المحتلة مؤكدين ان تعيين حاكم مدني في العراق يمكن ان يؤدي إلى تشجيع الدول الاخرى للتعاون في جهود اعادة الاعمار وامتصاص غضب الشارع العراقي واشار المراقبون إلى ان اداء جارنر في العراق والذي جاء مخيبا للآمال التي عقدتها عليه وزارة الدفاع والادارة الأمريكية كان الورقة الرابحة في يد وزارة الخارجية الأمريكية في ادارة صراعها مع وزارة الدفاع حول مستقبل العراق خاصة وأن جارنر ورجاله وضعوا الاولوية الاولى والاخيرة في العراق لتحقيق الامن وطغى ذلك على اهتمامهم بخدمة الادارة المدنية في العراق وهو ما اثار سخط العراقيين ونجح رجال الخارجية في اقناع الادارة الأمريكية بأن القادة العسكريين الذين يعتمد عليهم جارنر ضيقو الافق وان سياستهم عجزت عن حل القضايا المتفجرة في العراق وعلى رأسها قضية صرف الرواتب للموظفين العراقيين وأظهرت الخارجية نفسها على انها الاصلح لادارة ملف العراق بوصفها اكثر اطلاعا عليه وهو ما سيسهل من مهمتها في حل القضايا خاصة وان المرحلة الحالية من وجهة نظرهم تتطلب مرونة سياسية اكبر ومراعاة للاعتبارات المعيشية والتنموية والاجتماعية للعراقيين ويبدو ان الصراع حسم في النهاية لصالح وزارة الخارجية بعد اعلان تعيين بريمر حاكما مدنيا في العراق وينتظر ان تمده وزارة الخارجية بطواقم ودراسات كاملة اعدتها للوضع العراقي بالاضافة إلى خبراء حتى يمكنه تحقيق نتائج ايجابية وسريعة في الحياة السياسية العراقية تبرز تفوقه على جارنر وتؤكد ان وزارة الخارجية كانت على حق منذ البداية بانها الأقدر على ادارة الملف العراقي.
صراع قديم جديد
الصراع المتفجر داخل الادارة الأمريكية بين وزارة الخارجية والبنتاجون حول العراق بدأ منذ بداية التفات ادارة بوش إلى الملف العراقي وبروز فكرة ضرورة نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية فقد تشكلت مجموعتا عمل لمناقشة السياسة الأمريكية المثلى مع العراق حيث تشكلت المجموعة الاولى تحت مظلة مركز ابحاث أمريكان انتربرايز الذي يعتبر معقل الصقور والمحافظين الجدد في البيت الابيض والبنتاجون بقيادة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع ونائبه بول وولفوتير وريتشارد بيرل رئيس مجلس السياسة الدفاعية اما المجموعة الثانية فقد تشكلت داخل معهد «بيكر» الذي أسسه جيمس بيكر وزير الخارجية في ادارة بوش الاب ليعبر عن الجمهوريين الواقعيين ممن تولوا مسؤوليات ادارة بوش الاب مثل كولن باول الذي كان رئيسا لهيئة الاركان وخاض الصقور في ادارة بوش الابن صراعا مع الواقعيين الذين لقبوا بالحمائم حتى لا تلجأ أمريكا إلى مجلس الامن قبل القيام بعملية غزو العراق بدعوى أن أمريكا ليست في حاجة إلى قرار جديد من مجلس الامن لتنفيذ هذا الغزو وقام سيناريو الصقور والمحافظين من رجال تشيني ورامسفيلد على اساس ان تغيير النظام العراقي سيكون الخطوة الاولى في طريق تغيير شامل في العالم العربي ككل وتضمن السيناريو الاحتلال العسكري للعراق واقامة حكم عسكري في بغداد على غرار ما حدث في ألمانيا واليابان وعقب الحرب العالمية الثانية وضرورة تفكيك البعثية مثلما تم تفكيك النظام النازي في ألمانيا وكذلك انشاء حكومة مؤقتة بمجرد بدء عملية الغزو من المعارضة العراقية في المنفى ولا يحوي سيناريو الصقور أي دور للأمم المتحدة في عراق ما بعد صدام وفي المقابل استطاع فريق الحمائم من رجال باول ابعاد بوش عن خطة الحرب التي اعدها الصقور وشكل فريقهم 25 عضوا تحت مظلة معهد ومجلس «بيكر» ومجلس العلاقات الخارجية في نيويورك وتضمن السيناريو الخاص بهم رفض فكرة حكومة في المنفى واقترحوا بدلا من ذلك ادارة عراقية دولية تحت اشراف الامم المتحدة واعتبروا أن وجود حاكم عسكري أمريكي في بغداد فكرة غير مجدية حتى لا يواجه ذلك بالعداء وتضمنت رؤية الحمائم لعراق ما بعد صدام ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة العراق وتشجيع قيام حكومة عراقية تمثل الطوائف المختلفة للشعب العراقي وكذلك اشراك الامم المتحدة والدول العربية والمجتمع الدولي في تقرير مستقبل عراق ما بعد صدام وحذروا من ان أمريكا ستواجه هزيمة سياسية بعد ان تكسب الحرب.
بوش بين الفريقين
منذ بداية تفجر الصراع وزيادة التوتر بين وزارتي الخارجية والبنتاجون الصيف الماضي عندما اختلفا حول ما اذا كان يجب السعي إلى موافقة الامم المحتدة على عمل عسكري ضد العراق سعى البيت الابيض إلى تهدئة الصراع بين الجانبين الا ان الخلاف تطور بين معسكري الصقور والحمائم مع تطور الازمة العراقية ليشمل تقريبا كل ما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه العراق واعتبر المراقبون القرار الذي اتخذه الرئيس بوش خلال الصيف الماضي بالتوجه إلى الامم المتحدة في اطار قضية نزع الاسلحة العراقية المحظورة بناء على نصيحة باول نصرا لوزارة الخارجية وتيار الحمائم في هذا الصراع وعندما فشلت المساعي الدبلوماسية مع مطلع شهر مارس الماضي اقترب موقف الطرفين «الخارجية والبنتاجون» بشأن شن عمل عسكري لاطاحة الرئيس صدام حسين وتغيرت لهجة باول العقلانية ولذلك لم يجد بوش صعوبة في التوفيق بين الطرفين بشأن مسألة العمل العسكري ولكن مع الايام الاثني عشر الأولى للحرب تجدد ظهور الخلاف بين الجانبين بشأن السياسة الأمريكية تجاه العراق حيث عاد الحمائم ليؤكدوا للرئيس بوش خطأ تصديقه لنصائح تشيني ورامسفيلد بشأن الحرب وبانها ستكون حربا سهلة وسريعة مؤكدين ان الحرب محفوفة بالمخاطر بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل وانها ستؤدي إلى عزلة الولايات المتحدة عن حلفائها وعن المؤسسات الدولية الا ان باول عاد ليبعد نفسه عن اولئك الذين يشككون في خطة الحرب وفى وحدة الموقف داخل الادارة الأمريكية حتى تنتهى الحرب ويتحقق النصر.
ورغم ان الحرب انتهت والنصر تحقق لأمريكا على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الا ان الخلاف ما زال قائما بشأن وجهات النظر المتعلقة بإدارة العراق في مرحلة ما بعد صدام وبسبب الشعور بالحساسية الشديدة تجاه التقارير عن الخلافات الموجودة داخل الادارة الأمريكية فان البيت الابيض سعى إلى احتواء الموقف وفي الغالب امتنع كبار المسئولين في الادارة الأمريكية عن التعليق حول ما تردد من خلافات بشأن ادارة العراق.
ويقول المحللون ان سياسة بوش تجاه العراق تبين انه اكثر ميلا إلى تصورات الصقور وأنه يسعى إلى تنفيذها مع تضمينها بعض تصورات الحمائم في محاولة لتجميل سياستة تجاه العراق ويدللون على ذلك بقولهم ان بوش مال إلى الصقور بشأن اهمية الوجود العسكري في العراق لمدة لاتقل عن عام ونصف العام وتأخير نقل السلطة إلى حكومة وطنية عراقية ربما لسنوات ولذلك قام بوش بتعيين الجنرال المتقاعد جاي جارنر حاكما عسكريا على العراق وان بوش لم يخضع لتصورات الحمائم بتعيينه بريمر حاكما مدنيا للعراق الا بعد ان ثبت فشل جارنر ورغم ذلك لم يتجه بوش إلى عزل جارنر أو اقصاء الحكم العسكري نهائيا وانما قلص من سلطاته خوفا من انقلاب الشارع العراقي ولاسترضاء الاطراف الدولية المعارضة لسياسة بوش التي تميل اكثر لوجود حكم مدني في العراق.
ويرى فريق آخر من المحللين ان باول الذي يقود تيار الحمائم في الادارة الأمريكية يتمتع بعدة مميزات ترجح كفته في الصراع مع تيار الصقور رغم ميل بوش إلى تصورات تشيني ورامسفيلد اولها احتفاظه بعلاقات قوية وتأييد من جانب الرئيس الاسبق بوش الاب الذي دافع بشدة عن باول فيما اعتبره المحللون رسالة قوية إلى خصوم باول في الادارة الأمريكية وكذلك يحظى باول بتأييد كبير داخل الشارع الأمريكي حيث وصلت نسبة مؤيديه وفق استطلاعات الرأى إلى 83 % من الشعب الأمريكي ويشير بعض المراقبين إلى ان باول يحتفظ بعلاقات حميمة مع العسكريين في اوساط الادارة الذين اعتادوا الخلاف مع رامسفيلد وهي قناة خلفية يعتمد عليها باول في صراعه مع رامسفيلد بالاضافة إلى ان تصورات باول تحظى في الغالب بتأييد اطراف كثيرة في المجتمع الدولي وبهذه المقومات يواصل باول صراعه مع رامسفيلد الذي يدور في المرحلة الحالية حول كيفية ادارة العراق في مرحلة ما بعد صدام ودور الامم المتحدة في هذه المرحلة وربما تشهد الفترة المقبلة انتصارات اخرى لتيار باول وصفعات جديدة لصقور واشنطن في هذا الصراع.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved