Thursday 8th may,2003 11179العدد الخميس 7 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من حتى في التشكيل الوزاري الجديد شيء من حتى في التشكيل الوزاري الجديد
د. فوزية عبدالله أبوخالد

حين تحين ساعة الكتابة أكون في الغالب قد حسمت امري على يد أي الدروب أريد أن تكون بدايتي أو نهايتي.. هل هي تلك الدروب المقفرة إلا من الاشواك والمسامير والحفاة أم الدروب الآهلة بالمتسوقين والعربات الفارهة ومشكلات السير أو انه يتعين على البحث عن اكثر المسالك إخفاء للأثر حتى لا تكاد الكتابة فيها تبين وكأنها مكتوبة بحبر سري فلا تستفز حفيظة أحد بل قد لا تثير انتباه أحد. وهذا عادة ما يعرف بدرب السلامة. على ان هذا الاختيار بحكم الكتابة الأسبوعية في صحيفة يومية لا يكون في الغالب محض إرادة ذاتية أو تعبير عن حالة من الجبن أو الشجاعة الشخصية، بل يتدخل فيه إلى حد بعيد سقف الممنوع أو المسموح حسب التوجه العام للخطاب الإعلامي. وهو من حسن الحظ أعلى احيانا من قامة اولئك الذين قصفهم الانحناء دون أن يجربوا الوقوف. على أن أشد لحظات الحرج للكتاب غير المحترفين مثلي هي تلك اللحظات التي تتحول فيها الصحف بجدارة إلى جدارية للمديح في المناسبات الرسمية أو ما يقاس عليها من مناسبات إذ تبدو الكتابة خارج موضوع المناسبة وكأنها «هديل» أو نعيب خارج السرب. وفي أكثر من موقف كان علي أن أوضح وأؤكد لبعض المتسائلين من خارج المملكة وخارج العالم العربي أنني من خلال تجربتي الكتابية الطويلة أعرف حق المعرفة أن لا أحد يفرض على الكاتب والصحفي السعودي كتابة موضوع بعينه تحت أي ظرف.
وأن من يكتبون للإشادة بمناسبات معينة أو باجراءات معينة يفعلون ذلك بمحض الحب أو محض التقدير الخاص للمصلحة العامة أو الفردية في تناول الموضوع إذ ليس من جهة أي كانت دالتها على الشأن الإعلامي توحي للكاتب/ الكاتبة بأن يكتب او تكتب في هذه المناسبة أو تلك. وقد كان منشأ مثل هذا التساؤل كما فهمت ما يتابعه بعض المراقبين لصحافتنا من ميل عام لدى الصحافة والكتاب للمسارعة في الكتابة «المديحية» لكل وأي إجراء رسمي وفي جميع المناسبات دون إعطاء أنفسهم وقرائهم فرصة لاستيعاب الإجراء والحكم عليه موضوعياً. وهذا بعض ما يعقد موعدي الكتابي لهذا الأسبوع رغم أنه لم يعد يفصلني عنه إلا بضع ساعات. إذ تعتلج في نفسي عدة مواضيع لمقال اليوم فأحار أيها اختار.
فهناك مواضيع مؤجلة وأخرى عاجلة وعلى رأسها موضوع الساعة للاسبوع الماضي ولأسابيع لاحقة لقرارات مجلس الوزراء الأخيرة. فمن أين أبدأ بينما العمر قصير والقائمة تطول؟ وان كان الأمر يبدو محسوما لصالح الكتابة عن التشكيل الوزاري الجديد. على أني سأكتفي هنا بالتأكيد على بعض ما جاء في بعض أوجهه من اجتهادات تصلح نواة للحوار بغية المشاركة الجمعية في تحويل التشكيل الوزاري إلى خطة عمل تستجيب لتحديات اللحظة التاريخية الراهنة على المستويين الخارجي والداخلي.
فالتشكيلات الوزارية بمفهومها العملي في المجتمعات المدنية الحديثة شأن عام يعنى بالمصالح التفصيلية للوطن ويتماس مع اهتمامات وهموم المواطنين بعامتهم وليس شأناً وزاريا يخص الوزراء وحدهم.
ماذا عن التشكيل الوزاري الجديد:
على أن بودي التنويه بأنني حين أتناول التشكيل الوزاري الجديد فإنني لا أفعل ذلك فقط لأنني قد أشعر بالنشاز لو لم أكتب عنه طالما أن جميع الكتاب والصحفيين صاروا فجأة من المختصين في شؤون التشكيلات الوزارية ولديهم القدرة على رؤية سداد التشكيل وقدرته على معالجة كل أوجه القصور، وهذا ما لم يدعه مجلس الوزراء نفسه الذي يبدو في هذا الموقف أكثر شفافية وواقعية بعض من يحملون أمانة الكلمة ولكني أكتب عنه ايضاً لأنني قد وجدت في سيل ما كتب عنه بعض نقاط إيجابية في تصحيح الصورة النمطية عن صحافتنا التي أشرت إليها أعلاه. فهناك من الكتابات التي تجاوزت في تناولها لموضوع التشكيل الوزاري الكتابة التقريرية النمطية، بطرح بعض التصورات والتساؤلات والأماني لما يؤمّل منه. واشير هنا تحديداً إلى ما كتب حول موضوع غياب المرأة عن التشكيل الوزاري الذي تناولته الزميلة ناهد باشطح بجريدة الرياض. وفيه جرى فتح باب الحوار وان كان على استحياء عن الحاجة إلى وجود وزارة، هيئة مختصة أو أين كانت التسمية تختص بشؤون المرأة والطفولة.
وهذا بدافع أن يكون المواطن السعودي برجاله ونسائه وبمختلف فئاته العمرية شريكاً في حسابات التنمية وفي تحمل مسؤولياتها. هذا بالإضافة إلى إشارتها إلى غياب أي تمثيل للمرأة في مجالي الإعلام والتربية والتعليم والشورى حيث كان هناك تساؤل صريح عن الأسباب التي منعت تحقق التوقعات. وان كنا نرى أن السؤال في مسألة الإقرار بمشاركة المرأة الوطنية ليس سؤالاً يقتصر على وجودها في مناصب بعينها بقدر ما هو سؤال الإقرار بحقوق المرأة الشرعية وتوعيتها بها وتمكينها من الاحتكام إليها لتكون المرأة شريكة في القرارات التي تخص الشأن الأسري والعام بغض النظر عن المواقع التشريفية.
* ومن الكتابات التي عبرت عن موقف عقلاني إيجابي وليس مجرد موقف تعاطفي مع التشكيل الوزاري الجديد ما كتب تحديداً عن إضافة مسمى الثقافة إلى وزارة الإعلام. وهذه الجزئية الهامة من التشكيل الوزاري الجديد تحتاج إلي وقفة طويلة إلا أنه يهمني هنا وفي سياق ذكر بعض الآراء الموضوعية عن التشكيل الوزاري الجديد أن أشير إلى بعض ما ذكره المشغولون بالهم الوطني في هذا الشأن. وهي آراء تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار وقد صدر القرار بضم الثقافة إلى الإعلام الذي جاء ضمن أمور أخرى مفاجأة كما عبر عنا جميعا الأستاذ خالد المالك في افتتاحية مجلة الجزيرة ليوم أمس.
ومن هذه الآراء التي يجدر عدم تجاهل جدارتها بمزيد من البلورة والحوار: رأي الدكتور عبدالعزيز الخويطر الذي لم يخف فيه خشيته التي نشاركه فيها من أن تمارس الوزارة بعض الوصاية على المثقف. واقتراحه المحدد في هذا الصدد بضرورة تحمل المثقفين لمسؤولية دعم هذه الوزارة الجديدة بآرائهم ومشاركتهم وضرورة سعي الوزارة لاعانة المثقفين على تحقيق طموحاتهم والتعامل مع الثقافة والإبداع على أنها فضاء يخدمه التنظيم الإداري بإمكاناته الحكومية المتاحة.
هناك أيضا رأي د. محمد الربيع وأهمية ما ذكره بأن طموح بعض المثقفين السعوديين كان قيام وزارة مستقلة الذي لم يخف فيه خشيته التي نشاركه فيها أيضا بأن إعطاء نصف وزارة للثقافة قد يؤدي إلى طغيان العناية بالشأن الإعلامي على الشأن الثقافي. وإذا كنا كذلك نشاركه كلمة الوفاء التي وجهها إلى رعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون فإننا من باب التثنية وليس الثناء على ما قدمه من مقترحات نعيد طرحها هنا. هذا مع التشديد على أن «تطنيش» مثل هذه الاقتراحات لن يؤدي إلا إلى «تطفيش» المثقف الجاد سواء كان أكاديمياً أو مبدعاً. وهناك أمثلة عربية على تلك الوزارات «الثقافية» التي ليست أكثر من تكايا لمن يزعم أنه من أهل الثقافة والتي لن يحمينا منها إلا البدايات الصحية التي تراهن على استقلال الثقافة. ومن تلك المقترحات العملية ما يلي:
«الدعوة إلى عقد ندوة علمية لدراسة المشهد الثقافي بالمملكة ليتاح للمثقفين ونضيف هنا نساء ورجالاً التعبير عن رؤاهم وآرائهم لأساليب العمل داخل الجهاز الجديد وذلك لإشراك المثقفين في التخطيط والعمل. اي عدم العمل نيابة عنهم أو بالوصاية عليهم مع عدم إخضاع الفضاء الإبداعي للسقف الإعلامي أو للشرط الاستهلاكي أو الدعائي.
«إعادة النظر في الأنظمة المتعلقة بالشأن الثقافي» فيما كان إلى ما قبل التجديد الوزاري الأخير صلاحيات مسلم بها لأجهزة الرقابة الإعلامية. فضم الثقافة إلى الإعلام يعني أن تكون الوزارة أكثر مرونة في علاقتها بالفضاء الثقافي.
الاهتمام بالمشاركة الخارجية وبتمثيل المثقف السعودي في الخارج بمن هم من داخل اللحمة الثقافية لا بموظفين إعلاميين.
ليس من يستطيع أن ينكر غياب الكتاب السعودي عن ساحة الثقافة العربية إلا بجهد المقل الذي يتجشم فيه الكتّاب وحدهم اعباء طبع مؤلفاتهم على حسابهم الخاص. كما ليس من ينكر غياب الكتاب السعودي عن ساحة الثقافة المحلية. فليس من كتاب إبداعي على أرفف مكتبات الجامعات ومراكز بيع الكتب التجارية إلا ما ندر ولنوعية معينة من الكتب لا تشمل تلك الكتب التي ظلت رغم الاعتراف ببعضها عالميا غائبة محليا ولا تصل للقارىء السعودي.
ورأب هذا الصدع المزمن بين القارىء والكتاب السعودي احد المهام غير الشاقة لوزارة الإعلام ما دمت قد تحملت أعباء إضافة الثقافة إليها.
إيجاد أرضية لانطلاق تشكيلات أهلية للعمل الثقافي الأدبي والتشكيلي والفني. يكون لها بعد تنظيمي مهني وبعد إبداعي بما في ذلك الإقرار بتكوينات اهلية للمبدعات من النساء.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved