Thursday 24th april,2003 11165العدد الخميس 22 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العراق .. النفط والإصلاحات العراق .. النفط والإصلاحات
بقلم الدكتور لويس حبيقة

تؤثر الحرب ضد العراق سلباً في كل المؤشرات الاقتصادية الدولية. فالركود أصبح واقعاً، والانكماش محتملا إذا استمرت تداعيات الحرب لمدة طويلة. تراجع قطاع الخدمات الذي يشكل أكثر من نصف الاقتصاد الأوروبي خلال الشهر الماضي، كما وصلت نسبة البطالة الألمانية الى أعلى مستوى لها منذ 5 سنوات. أما آسيا، بالاضافة الى مشكلاتها الاقتصادية المزمنة، هي واقعة اليوم في مأزق نتيجة انتشار مرض الالتهاب الرئوي. أما في الولايات المتحدة، فقد نما قطاع الخدمات في الشهر الماضي بأدنى نسبة له منذ 7 أشهر. أما الانتاج الصناعي، فهو في انخفاض على جانبي المحيط الأطلسي مما يسبب قلقاً لكل المسؤولين في مقدمهم حكام المصارف المركزية. في دول المنطقة العربية زادت نسبة البطالة في العقد الأخير من معدل 7 ،12% في سنة 1990 الى معدل 15% في سنة 2000 مما ينذر بحدوث أزمات اجتماعية مقلقة. على الرغم من ان بعض هذه الإحصاءات يخفي الحقيقة أو بعضها، فهي تكفي لدفع الحكومات المسؤولة الى تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. لاشك ان نسب البطالة في دول المنطقة لسنة 2000 تبقى مرتفعة بكل المعايير، إذ تصل مثلا الى 9 ،29% في الجزائز، و 8% في مصر، و7 ،13% في كل من الأردن والمغرب و16% في تونس.
يتعدى تأثير الحرب على الاقتصاد الدولي حجم العراق الاقتصادي والجغرافي ليهز الاستقرار الشامل. وقوع العراق في قلب منطقة غنية في كل شيء، أي بشريا وماديا، يجذب المستعمرين اليه منذ مئات أو ربما آلاف السنين. يعود الاهتمام الاعلامي والسياسي والاقتصادي بالحرب ضد العراق الى الموقع الذي يحتله في خريطة المصالح الدولية المتشابكة. لم يكن ليحصل كل هذا الاهتمام لو وقعت الحرب مثلا في أفريقيا أو حتى في آسيا وأمريكا اللاتينية. فالحرب ضد العراق تتعدى حدوده لتصل الى كل منطقة الشرق الأوسط والى أسواق الطاقة، بل الى مستقبل الاقتصاد الدولي. للحرب ضد العراق أبعاد سياسية واقتصادية واستراتيجية كبيرة تفوق الأبعاد العسكرية المباشرة. من الممكن ان تتفوق هذه الأبعاد في حجمها وخطورتها ومدتها أي نتائج حروب اقليمية سابقة. سيتطلب انقاذ الاقتصاد الدولي بعد الحرب جمع الجهود والموارد الرسمية والخاصة وتوظيفها لمصلحة النمو.
يشكل النفط المصدر الرئيسي للطاقة على الرغم من ان حصته منها في الاستهلاك العالمي تدنت من 50% سنة 1975 الى نحو 40% اليوم. يعود هذا التدني الى اكتشاف واستعمال طاقات بديلة كما الى التطور التكنولوجي والى رغبة الدول المستهلكة في تخفيف الاعتماد على النفط المستورد. فالولايات المتحدة تستهلك نحو 26% من الانتاج النفطي العالمي، تتبعها أوروبا ثم آسيا. من المتوقع ان تزداد الكميات المصدرة من المنطقة العربية التي تحتوي على نحو 70% من الاحتياطي العالمي، في وقت لا تنتج إلا 35% من المجموع. سيزداد الاعتماد الغربي على نفط المنطقة من 53% من الاستهلاك اليوم الى نحو 70% في سنة 2002. كما زاد الاحتياطي النفطي المعروف في منطقة الشرق الأوسط بين سنتين 1975 و2001 بنسبة 79%، بينما لم يزدد الانتاج إلا بنسبة 15%. لذا من المتوقع ان يبقى الموقع النفطي للمنطقة معززاً جداً على الأقل في السنوات الخمسين القادمة.
لابد للعراق بعد انتهاء أزمته الكبيرة من ان يطبق اصلاحات متنوعة طال انتظارها، فالعراق عزل قسراً وعوقب منذ أكثر من عقد، مما أبعد اقتصاده عن التطورات التكنولوجية الدولية. فالمطلوب ادخال العراق الى الاقتصاد الجديد، الى اقتصاد المعرفة مما يسمح له بالمساهمة في انماء المنطقة العربية مجتمعة. فالعراق هو القلب الاقتصادي للمنطقة العربية التي لا يمكن ان تنتعش إذا لم يستفق لدوره الاقليمي المميز. دول المنطقة العربية بحاجة كلها إللى إعادة النظر في قوانينها ومؤسساتها كي تستطيع متابعة التطورات الاقتصادية الدولية. فالثروات النفطية والطبيعية كافية لتسمح للعراق بالقيام بكل واجباته تجاه مواطنيه، كما ليؤمن للقطاع الخاص المناخ المناسب للعمل. يجب ان ينبع النمو من عمل القطاع الخاص وليس العام، مما يفرض تغييرات كبيرة ليس فقط في المؤسسات والقوانين وإنما في العقلية أيضا. نعدد الاصلاحات المطلوبة بشأن العراق والتي يمكن تعميمها على معظم دول المنطقة على الشكل التالي:
أولاً: الانفاق العام: يذهب قسم كبير منه للتسلح وللانفاق الجاري الذي يمكن ترشيده حفاظا على الايرادات. من هنا تأتي أهمية ادخال أنظمة الشفافية والمحاسبية بحيث تزداد ثقة المواطن بالدولة والمسؤولين فيها. فالأموال العامة هي ملك الشعوب، ومن ثم يجب ان تنفق على حاجاتهم ومصالحهم وليس على مصالح خاصة كما يحصل في أكثرية الدول.
ثانياً: دور الدولة في الاقتصاد: يجب تخفيفه لأنه ما زال كبيرا جدا في كل الدول العربية بما فيها العراق. هذا يسمح للقطاع الخاص بلعب دور أنشط وأفعل في كل الميادين. يتم توسيع الرقعة الاقتصادية للقطاع الخاص عبر عمليات الخصخصة وتحرير القواعد والقوانين وتقوية المنافسة في كل أسواق السلع والخدمات. فالدولة العراقية لعبت وتلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد بسبب العقيدة السياسية أولا ثم بسبب العقوبات التي منعت التقدم والتغيير.
ثالثاً: تعزيز البرامج الاجتماعية لمصلحة الفقراء والعاطلين عن العمل: لا يمكن تنفيذ التحرير الاقتصادي دون تأمين التغطية الاجتماعية الكافية للفقراء. يخلق تحديث الاقتصاد عموما أجواء قلق مضرة بالحركة الاقتصادية. فالتحديث يخلق في أول الطريق بطالة زائدة بسبب عجز اليد العاملة عن متابعة ركاب التقدم والتغيير. هنا يكمن دور الدولة الاجتماعي الذي يتلخص في التنبه الى أوضاع الفقراء وتلبية حاجاتهم.
رابعاً: تفعيل القطاع المالي: يتم التفعيل عبر تحديث القوانين والمؤسسات بحيث تتأمن سلامتها ضمن المنافسة. فالعراق بحاجة الى تأسيس قطاع مالي جديد بكل جوانبه. فالمصارف التجارية بحاجة الى تجديد وتحديث، كما يجب فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية. لابد من تأسيس مصرف مركزي مستقل يهتم بشؤون النقد، كما يجب وضع قوانين جديدة ترعى عمل المؤسسات المالية من مصارف وشركات تأمين وصرافة وشركات استثمار وغيرها.
خامساً: سعر الصرف: من المفيد مراجعة سياسات سعر الصرف الثابت المعتمدة في كل الدول العربية. من مصلحة الدول التي يرتكز اقتصادها على النفط اعتماد سياسة سعر الصرف الحر بحيث تستوعب بسهولة الخضات النابعة من الخارج. عندما يتغير سعر النفط الحقيقي بسبب تحرك السوق، يتأثر الاقتصاد الوطني كثيرا مما يستدعي تغييرا في سعر الصرف أو في الأسعار والأجور. من المفضل ابقاء الأجور كما هي وعدم التلاعب بهيكلية الأسعار الداخلية تثبيتا للاستقرار الاقتصادي، لذا ينصح بترك سعر الصرف حراً بحيث يمتص التقلبات ويحد من تأثيرها في الاقتصاد العام.
تدخل الأزمة العراقية في مراحل خطرة لا تنتهي مع وقف الحرب، بل تمتد الى مواجهة تحديات السلام الاقليمي والدولي. فالعلاقات الاقتصادية الدولية بحاجة الى اعادة نظر بل بناء بسبب التصدع الذي عرفته في الأشهر الماضية. وعلى الرغم من أجواء الركود العامة السائدة دوليا لا ننكر وجود أقلية واعية جداً لمصالحها، فتستفيد من الواقع الاقتصادي الدولي وتستثمر في كل الأدوات المالية. يباع معظم الأصول اليوم بأسعار منخفضة بسبب الحرب وما يتبعها من قلق وخوف وتردد. المستثمر الشجاع هو الذي يقدم على الاستثمار اليوم مستفيدا من فرص كبيرة ربما تزول في أيام السلم. أما الأكثرية المحافظة فتتجنب الاستثمار في أيام المخاطر المرتفعة وتفضل انتظار الهدوء حتى على حساب الربح. ففي الاقتصاد ليس هنالك غداء مجاني، بل لكل شيء سعره ومخاطره.

www16uishoeika.com

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved