|
مرحباً يا عراق جئت أغنيك وبعض من الغناء بكاء تذكرت هذا البيت لنزار قباني.. وهو من قصيدة طويلة له ألقاها بمناسبة أحد مهرجانات «المربد» التي كانت تنظمها وزارة الثقافة العراقية كل سنة من سنوات العقل. وقبل أن يصاب هذا العقل بلوثة أدت إلى انفراطه.. وبالتالي انفراط الأدب والثقافة والفن وكل شيء جميل في أرض الرافدين.
ففسرت لهم معناها حسب علمي بأن «العلج» هو «الرجل الكافر من العجم» كما يمكن أن تعني «حمار الوحش القوي الضخم» فانشرح صدر العائلة لسببين.. الأول: أن أباهم ضليع في اللغة العربية.. الثاني: أنهم عرفوا معنى هذه الكلمة الغريبة على مسامعهم.. وانطلقوا ( أفراد العائلة ) يفسرونها لأصدقائهم ومعارفهم ممن لم يسعفهم أبوهم بذلك. وذات يوم جاءني أحد أحفادي - جريء زيادة عن اللزوم - يقول: للأسف يا جدي.. تفسيرك للعلوج - لا مؤاخذة - غلط. فاستغربت.. لماذا يا ولدي؟! قال: الصحاف فسرها بأنها «نوع من الديدان التي تمتص الدماء».. فاستغربت - مرة أخرى - من جهلي وحرجي أمام الأسرة.. لأنني الآن - في نظرهم - «لا ضليع ولا يحزنون».. بل جاهل في اللغة العربية تخصصي في العمل وسلاحي في الهيجاء. فهرعت إلى مكتبتي أبحث عن المعاجم.. لاستخرج منها معنى «العلج والعلوج».. فوجدت الآتي: 1- القاموس المحيط للفيروز أبادي يقول: «العلج هو حمار الوحش السمين القوي.. وتقال للرجل الكافر من العجم». 2- معجم الصحاح للجوهري يقول: «العلج هو الرجل من كفار العجم وجمعه علوج». 3- معجم لسان العرب لابن منظور فيقول: «العلج هو الرجل الشديد الغليظ.. والعلج هو الرجل من كفار العجم». 4- معجم العين للفراهيدي يقول: «العلج هو حمار الوحش القوي الشديد.. وبعض العرب يطلق هذه الكلمة على الرجل من كفار العجم». ولم يتطرق أي من هذه المعاجم إلى الديدان.. لا التي تمص الدم ولا التي تمص الفهم ولا حتى التي لا تمص شيئاً.. بعد هذا الجهد الجهيد من البحث والتحري ارتاحت نفسي كثيراً وسارعت إلى دعوة أفراد العائلة كلهم بما فيهم الأطفال والرضع إلى اجتماع غاية في الأهمية.. وأعلنت لهم - بكل زهو وفخر - أن أباهم «صح».. وأن الصحاف «غلط».. وأطلعتهم على الدليل.. فانتشوا لانتصاري وأخذوا في كتابة الدليل وكل ما يتعلق بالعلج والعلوج في أوراق ليوزعوها مزهوين على أصدقائهم ومعارفهم من الشامتين والمشككين في علم أبيهم. وقبل أن ينفرط الاجتماع سألتهم: هل هناك كلمة من كلمات الصحاف «الملوثة» غامضة عليكم أو لا تعرفون معناها؟ فقالوا جميعاً وبصوت واحد: كلها معروفة لأننا نسمع بعض الناس يشتمون بعضهم بها في الشارع وهي كلمات تحتاج إلى غسل وليس إلى فهم.. إلا أن أحد الخبثاء من الأحفاد قال: أنا يا جدي لا أعرف معنى كلمة «عكاريت».. فقلت له: الأفضل - يا عزيزي - ألا تعرف!! |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |