Saturday 12th april,2003 11153العدد السبت 10 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العراق والعوائق أمام العولمة العراق والعوائق أمام العولمة
د. لويس حبيقة

منذ بداية التسعينات يتكلم الاقتصاديون بحماسة عن العولمة والاقتصاد الجديد وفوائدهما على المجتمع الدولي، تقدمت العولمة بخطى سريعة وفاعلة، مما ساهم في تطوير قواعد الاقتصاد الدولي، نجحت في اهدافها ولكنها أوقعت في نفس الوقت العديد من الضحايا بين فقراء الدول النامية.
لذا يتنبه الجميع اليوم الى مساوىء العولمة التي يجب تصحيحها أو تخفيفها، مما يساهم في تعميم الفوائد على كل الطبقات الشعبية، أما نشاطات المؤسسات الدولية، وفي مقدمها الثلاثي البنك وصندوق النقد ومنظمة التجارة، فأتت لتعزز فوائد العولمة عبر وصل الاقتصاديات الوطنية بعضها ببعض، فتركزت برامج ونصائح المؤسسات الثلاث على تحرير الاقتصاديات النامية والناشئة ضمن مهل مدروسة عموماً، دون أن تخلو أحياناً من التهور أو التسرع، فعّلت زيادة حركة التجارة العالمية النمو الاقتصادي وساهمت في تعزيز حظوظ التنمية بالرغم من المساوىء المذكورة. تسير العولمة اليوم في طريق متعرج ليس بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وانما بسبب السياسة والحرب والارهاب والخوف والممارسات الادارية السلبية على الصعيد الأمريكي والدولي. هنالك عوائق كبيرة واساسية امام تعزيز وتعميم فوائد العولمة التي يمكن تلخيصها كما يلي:
أولا: أحداث 12001/9/1 التي غيرت الذهنية السياسية الأمريكية من منفتحة الى منغلقة، من شجاعة الى خائفة، من قائدة الى متراجعة، ومن مسهلة الى معرقلة، انتقلت الذهنية بسرعة من السياسة الى الاقتصاد، مما سبب الخوف الأمريكي من كل شيء كانتقال الأشخاص ورؤوس الأموال والسلع والخدمات. فكثر التدقيق وزادت العراقيل والتحقيقات والشكوك وزالت فرص بل وسائل الدفاع والاعتراض، تخاف الولايات المتحدة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من عمليات تبييض الأموال وتمويل الارهاب بحيث يتم التشدد الرقابي المسبق والمشكك في حدود تفوق العقلانية والمنطق والعلم، فأحداث 11/9 بالرغم من معانيها البالغة ونتائجها المؤسفة، استغلت دون شك من قبل الإدارة الأمريكية الحالية لمراقبة كل شيء ولمحاولة السيطرة على العالم في السياسة والاقتصاد، فأحداث 11/9 ساهمت في عرقلة تقدم العولمة، ليس لتصحيح المسار وانما لتثبيت النفوذ الأمريكي على العالم، فالعالم اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى تحرير اقتصادياته وتطوير قوانينه، بحيث تتشجع الاستثمارات الاقليمية والدولية.
ثانيا: فضائح الشركات التي ظهرت الى العلن في نفس الفترة، مما ساهم ايضا في تأخير الانفتاح الاقتصادي المبني أصلاً على الشفافية والمحاسبة. ساهمت فضائح الشركات في زعزعة الثقة في حسابات الشركات ومدققيها، أي في أسس النظام الاقتصادي الحر، من النتائج الأساسية للفضائح المحاسبية هو تراجع الاستثمارات الجديدة وبدء التراجع الاقتصادي في الولايات المتحدة بعد عقد كامل من النمو المتواصل، تقوم الولايات المتحدة اليوم بتغيير قوانينها مما يضيق الحرية على الشركات والمدققين، تسمح هذه التعديلات بتضييق فرص الغش ولكن على حساب حرية التصرف والحركة، من الأهمية بمكان تطوير القوانين والمؤسسات العامة مما يعزز الشفافية، ولكن مع التنبه الى نتائجها من ناحية الابداع والنمو.
من الخطأ وضع قوانين وقواعد عمل جديدة دائمة كردة فعل على حوادث آنية معينة تبقى محدودة نسبياً مهما كبرت، فالقوانين توضع لمواجهة أمور عامة وليس حوادث خاصة مضت. في كل حال، يعود سوء التصرف من ناحية الشركات ليس الى القوانين بل الى الأشخاص الذين اساءوا الى مهنتهم وشركاتهم والى الاقتصاد العام، تتم معاقبة هؤلاء المسؤولين عبر قوانين موجودة اصلا، ولكنها لم تطبق بفعالية وشمولية.
ثالثا: الأزمة العراقية وامتداد الحرب في المدة والعمق والتكلفة الى حدود لم تكن متوقعة من احد عند بدء المعارك، تشكل الأزمة العراقية نقطة عبور مهمة من التوازن السياسي الاقتصادي القديم الى المجهول الجديد الذي يتم التنازع عليه، شكلت الأزمة العراقية نقطة انتقال قاسية بالنسبة للمؤسسات الدولية وفي طليعتها الأمم المتحدة، كما للمؤسسات الاقليمية وفي طليعتها الوحدة الأوروبية والجامعة العربية، وجود دولة واحدة عظمى لا يعني بالضرورة شل عمل مؤسسة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من اهم مبررات وجود الأمم المتحدة هو دورها في رعاية بل حماية حقوق الدول الصغيرة والفقيرة التي تخاف من القوي. حدود الأزمة العراقية ليس العراق وحده ولا المنطقة العربية وحدها، بل العالم نفسه، انتصار أمريكي كبير في العراق يعني حتماً سيطرة أمريكية طويلة وغير عادلة على السياسة والاقتصاد الدوليين، ستؤثر نتائج الأزمة العراقية حتماً على مصير وشكل ومستقبل وهيكلية الأمم المتحدة، كما على العلاقات السياسية الدولية لعقود طويلة قادمة.
رابعاً: بنيت العولمة أصلاً على النظريات الاقتصادية الكبيرة التي بدأ بها ادام سميث في سنة 1776 وطورها اقتصاديون كبار بعده معظمهم أمريكيون. تطور الاقتصاد الدولي بأبعاده العلمية والتقنية بفضل الولايات المتحدة أولا وأوروبا ثانيا. نجحت أمريكا في استيراد كبار الأدمغة من كل الدول وأعطتهم فرص الابداع، مما ساهم في نهضة الاقتصادين الأمريكي والدولي، كانت الولايات المتحدة الدولة التي نجحت في خلق بيئة منفتحة وحرة ونظام حديث قابل دائما للتطوير والمراجعة، فأين هي أمريكا اليوم من أمريكا الأمس؟ ماذا حلَّ بالعقل الأمريكي المبدع وبالذهنية الأمريكية المنفتحة؟ فهل يمكن لاحداث مهما كبرت أن تسبب هذا التراجع في مفاهيم الانفتاح والحرية في أمريكا نفسها، أمريكا قائدة الاقتصاد الحر والحرية التجارية تعرقل اليوم مسيرة منظمة التجارة العالمية لتدعم بعض قطاعاتها كالزراعة والفولاذ. لذا اتهمت مؤسسة أوكسفام الدولية المفاوض التجاري الأمريكي روبرت زوليك بالنفاق، لأن أمريكا في رأيها تعمل لالحاق المزيد من الضرر بفقراء العالم. أنفقت أمريكا في سنة 2001، وتبعاً للمؤسسة المذكورة، ما يقارب 4 مليارات دولار لدعم مجموعة قليلة من منتجي القطن النافذين سياسياً بينما لا تتعدى قيمة القطن في السوق 3 مليارات دولار، كما تتواجه أمريكا مع أوروبا في كل شيء لعرقلة مسيرة الوحدة النقدية الأوروبية، اذا فاجأها اليورو مؤخراً بقوته. أمريكا قائدة الاعلام الحر وحرية الرأي تقوم اليوم بتضييق الحريات الاعلامية في نقل اخبار وصور الحرب العراقية. فكيف تضيع كل هذه المبادىء الكبيرة في أول امتحان جدي؟ بل ما هي رسالة أمريكا اليوم الى العالم؟
يقول الاقتصادي الأمريكي بول كروغمان ان الفارق الكبير بين ادارتي الرئيسين كلينتون وبوش هو دمج المصالح الخاصة بالعامة في الإدارة الحالية، فقطاع الأعمال أتى بالرئيس بوش ولا بد من رد الجميل. يقول كروغمان ان اية مخالفة صغيرة أو سخيفة في عهد كلينتون كانت تسبب فضيحة اعلامية له ولزوجته، وكاد يقال بسببها. أما اليوم، وبرأيه، يتم التغاضي عن أمور أسوأ وأهم بكثير. يقول كروغمان ان عدم الفصل بين الدولة والأعمال، في عهد الرئيس بوش، يساهم في زيادة الفساد في الدولة وفي تأمين حماية المصالح المشتركة في الاتجاهين. فالمساوىء الاساسية لكل هذه المشاهد المحزنة هو القضاء على مبادىء الأخلاق تحت ستار الدين وعلى فرص النمو المستقبلية.
ان سيطرة دولة واحدة على سياسة واقتصاد العالم تعني حتماً تراجع فرص التقدم والابداع والابتكار في كل الميادين. سيطرة دولة واحدة تعني زوال كل المسببات التي صنعت التطور الاقتصادي المدهش الذي عرفه العالم في الخمسين سنة الأخيرة.
استمرار الولايات المتحدة في تنفيذ سياساتها المغامرة والطموحة وغير المدروسة سيساهم في تقصير عمر هذه السيطرة، وبالتالي في الحاق الضرر لاحقا بالأمريكيين أنفسهم، المطلوب هو عودة أمريكا القديمة بايجابياتها وسيئاتها، أي أمريكا العلم والاقتصاد والآداب والحرية الى أقصى الحدود، المطلوب هو عودة المؤسسات الدولية التي أطاحت بها دولة المؤسسات أي أمريكا نفسها، فهل مَنْ يسمع؟

www.louishobeika.com

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved