Friday 11th april,2003 11152العدد الجمعة 9 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

5-4-1390هـ الموافق 9-6-1970م العدد 297 5-4-1390هـ الموافق 9-6-1970م العدد 297
حديث الثلاثاء
أدبنا تائه وليس راكداً ولا معدوماً
بقلم: الدكتور أحمد خالد البدلي

أثار الأستاذ الأديب عبدالعزيز الرفاعي في الأسبوع الماضي على هاتين الصفحتين بعض قضايانا الأدبية التي تشغل بال العاملين في دنيا الأدب مؤلفين ونقاداً وقراء، ولعل القارئ يوافقني على أنها قضايا جديرة بأن تثار وتتناولها الأقلام الغيورة القادرة على التحليل المدركة لرسالة الأدب وخطورته كقلم الأستاذ الرفاعي.
فقد تحدث الكاتب عن بعض تلك القضايا التي فرضت نفسها على جونا الأدبي حديث العالم الرزين الوزين الذي يستطيع وضع اصبعه على الجرح دون أن يثير ألماً، وهذه خصيصة من خصائص أدب الرفاعي فيما يكتب ويتحدث ويناقش يشهد له بذلك كل من عرف شخصه أو قرأه أو قرأ عنه أو سمعه.
وسمع الفتى يهوى لعمري كطرفه.
واستجابة لدعوته الغيورة تلك لغربلة أدبنا ونخله ومحاولة تصفيته وتنقيته أراني مدفوعا للمشاركة في حديث اليوم بإبداء رأيي في الموضوع.
لقد كثر الحديث في صفحاتنا الأدبية في الآونة الأخيرة عن أدبنا ووصفه بالراكد حيناً والمتخلف حيناً آخر وتقسيمه الى أدب شيوخ فاتر، وأدب كهول حائر بين الفتور والبرودة والسخونة، وأدب شباب هادر وكلها أحاديث تثار باسم الخصومات الأدبية وهي خصومات حقا ولكنها ليست من الأدب في أغلبها فهي تتناول الأشخاص وتترك الآثار.
ولا أظن إنساناً يقر هذه التقسيمات المصطنعة التي تقسم الانتاج الى انتاج شيوخ وكهول وشباب، فمكان هذا التقسيم هي خانات مصلحة الاحصاء لا الدراسات الأدبية والتقويم النقدي.
فعلينا ان نتعامل مع الأثر الأدبي في حد ذاته، ونرى أهو أثر جدير بالالتفات والاهتمام والوقوف عنده حري بالدرس والوضع أمام أعين القراء وبين أيديهم، أم أنه وعر غليظ لا شيء فيه جدير بالاهتمام، لأنه لا يزيد القارئ المتلقي له إلا سوءاً وضلالاً فيترك وينحى جانباً.
أما ان لدينا أدبا فهذا ما لا يستطيع انكاره إلا مكابر، وإذا كانت الخفافيش لا ترى نهارا فما ذنب عين الشمس، ولكن أين هو أدبنا؟ هنا تكمن العلة.
أدبنا أشبه ما يكون بتلك البضائع المكدسة في دكان من الدكاكين الصغيرة في أحيائنا البلدية فإنك ترى الحبوب الى جانب المكانس والأحذية وأنواع الفواكه الطازجة والجافة والمعلبة، كما تشاهد لعب الأطفال وأدوات الزينة الرجالية والنسائية وحبال الغسيل والصحف والمجلات والكتب والمرطبات ومبيدات الحشرات.. إلخ. كل ذلك في فوضى وتشويش لا حد لهما، وهنا تكمن العلة. سوء العرض يؤدي الى سوء الحكم وسوء الحكم يؤدي الى الانكار والجحود ويبرر كثرة التهم التي توجه أحيانا الى الأدب.
فما هو الحل؟؟
هناك عدة اقتراحات ولا أسميها حلولا:
1- تجميع التراث الأدبي المتناثر بين ثنايا كتب الأدب والتراجم والرحلات وتبويبه ودرسه درسا نقديا واستخلاص ما يخص مملكتنا وفقا للطرق الدراسية التي انتهى اليها الأدب والنقد، وهذا ما تفعله كل الأمم الغنية بتراثها، وهذا الاقتراح أتقدم به الى وزارة المعارف الجليلة وجامعة الرياض فهما المكانان الطبيعيان لمثل هذه الدراسة، ولاسيما اذا استعانتا بكبار العلماء والأدباء من خارج الجامعة الذين تزخر بهم مملكتنا في مختلف الحقول.
2- دراسة انتاجنا الأدبي الحديث وامتحان مدى الأصالة فيه ومقدار التقليد للمدارس الأدبية العربية التي تأثر بها كتابنا.
3- بعث المجهودات الفردية التي قام بها الباحثون عندنا في مجال التعريف بأدبنا من مرقدها ومن المستودعات حيث تتكدس طعاما للعت والحشرات وتدريسها في جامعاتنا التي تدرس كل الآداب إلا أدبنا السعودي وهذا أقوله عن خبرة.
فقد قمت بتدريس مادة الانشاء لطلبة السنة الأولى بكلية الآداب خلال ثلاث سنوات وكنت إذا سألتهم عن أي كتاب أو كاتب عربي سارعوا بالاجابة في غير تلجلج، فاذا سألتهم عن بعض كتبنا وكتابنا الذين ما زالوا أحياء يرزقون فإذا هم صم بكم كأني أسألهم عن لغز من الألغاز، وهذا دليل آخر على ان أدبنا تائه ضائع.
4- التخلص من عقدة الاحساس بالنقص ازاء أدبنا وان ما عندنا ليس أدباً وان ما عند الآخرين أجدى وأنفع وأجدر بالقراءة، وعدم التحامل من القراء على أدبنا وأدبائنا وألا يقفوا من انتاجهم موقف الأصمعي من ابراهيم الموصلي.
يحكى «ان الموصلي دخل على الأصمعي وكان هذا الاخير معروفا بموقفه من شعر الموالي فأنشد الموصلي شعراً نحله أحد العرب فقال له الأصمعي، والله ان هذا لهو الديباج الخسرواني، فلما أخبره الموصلي أن الشعر له وأنه ابن ليلته، بدت خيبة الأمل على وجه الأصمعي فقال:
«لا جرم ان بدا فيه أثر التكلف». ولو أنصف القراء انتاجنا الأدبي بالاقبال عليه لوجدوا فيه خيراً كثيراً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved