Friday 11th april,2003 11152العدد الجمعة 9 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

من هي بغداد؟ من هي بغداد؟
فارس عبد الرحيم ( * )

ما هي بغداد؟ بغداد التي كانت مثل الوشاح الذي يدفئ الجسد المنهك من تعب السنين.. بغداد هي الأم التي ربت أجيالا وأجيالاً من علماء العرب والمسلمين،هي نفسها بغداد التي وقفت في وجه كل اعداء العروبة والاسلام، اننا وبكل الم نقول ان سقوط بغداد يعني سقوط الامة العربية أجمعها، ولكن من يشعر ومن يحس ومن يعلم؟
ها هي عروس العرب التي كانت الوجه المضيء للأمة العربية تسقط . البوابة التي لم يستطع التاريخ بعظمتة كسرها، انكسرت شيئا فشيئا أمام نيران لا ترحم الحضارة ولا تعرف معنى لها.
بغداد.. عند ذكرها نشم رائحة الحضارة .. نقترب من العزة ... نرى نورالعلم الذي أضاءته لآلاف السنين. نتعرف على أول ما خط الانسان بيده. نتذوق معنى كلمات الشعر العربي البغدادي.. نرى أنفسنا أصغر من ذكر كلمة بغداد التي أدت دورها عبر القرون.. ولم تخذل العرب في يوم من الأيام.. فيها يمتزج ماء دجلة بدماء الملايين الذين إما ماتوا دفاعا عنها وإما ماتوا بقهرهم بغداد أعرق كلمة في التاريخ..الفانوس الذي اضاء لغيره الطريق .. هي كالشمعة التي تحترق من اجل غيرها..
ولكن ماذا بعد بغداد واحتلالها؟ وما الدلالات التاريخية؟ بل ماذا سيكتب التاريخ بعد ذلك؟ طبعا وبكل المقاييس التاريخية والحضارية وحتى الاقتصادية احتلال العراق وإخضاعة لسيطرة أنجلوأمريكية هو أولا السيطرة على بوابة العرب الشرقية، استراتيجيا، قاعدة عسكرية مهمة جدا للتحكم في المنطقة الشرقية للعالم العربي بل واستخدامها لكبح جماح ايران من الناحية العسكرية وحصار أقرب الخطوط لهذا البلد، عدا ذلك التجسس واثارة الفتن في ايران وهذا ما نعتقده لأن أمريكا لا تفضل المواجهة العسكرية مع ايران لأسباب عدة منها ان ايران دولة قوية.
من الناحية الاقتصادية فالكل يعلم ان النفط هو هدف شهي لكل اقتصاديات العالم، والسيطرة علية تعني السيطرة اقتصاديا وبمصطلح جديد نوعا ما نقول الاخضاع بالحاجة. ويعني اخضاع دول أخرى بفرض شروط الدعم الاقتصادي أو التنموي.الولايات المتحدة لن تسعى للسيطرة المباشرة على البترول العراقي لحماية الحد الأدنى من سمعتها الدولية ولن تتصرف كمافيا بالمعنى الحرفي بخيرات العراق وانما ستحظى بشتى التسهيلات والتفضيلات في النفط العراقي.
ونعود للاخضاع بالحاجة فستعمل أمريكا على مساومات مع دول عديدة في العالم لأنها بامتلاكها القوة الاقتصادية المدعومة بنفط العراق سيكون بيدها فرض نوع جديد من الهيمنة على بعض الدول فربما ستشهد السنوات القادمة وجود قواعد عسكرية أمريكية في أغلب دول العالم بما فيها الدول المعادية لسياسات الولايات المتحدة..وكما هو معروف فالاحتلال ليس فقط بالقوة العسكرية بل يمكن ان يتخذ الكثيرمن الاشكال..
أما من ناحية الأهمية التاريخية لاحتلال العراق.. ودخول بغداد.. فهذا يعني لكل عربي أو مسلم كارثة تاريخية لن تمحى بانتصارات عنترة بن شداد ولا بشعر المتنبي ولا حتى بعلوم وأدب وفلسفة كل ما هو عربي قديما وحديثا.
احتلال بغداد هو مكمل لخط التراجع العربي منذ احتلال فلسطين.. عندما تخضع هذه المدينة الجميلة بكل ما فيها من قيم تاريخية للعلم الأمريكي بل تحت وابل الرصاص.. بالقوة.. بالنار.. فان هذه أكبر خسارة يمنى بها العرب بعد القدس.. الكل يعرف التاريخ والكل يعلم ما هي بغداد؟ لم تخضع لأحد.. لم تنحن في وجه كل أعدائها على مر التاريخ.. ربما خسرت أحيانا..ولكن أبدا أبدا لم تطأطئ رأسها.. دائمأ في مقدمة العرب وقبل العرب في مقدمةالامم.. والآن تتحطم أبوابها.

* باحث في السياسة والاقتصاد الاوروبي في إسبانيا
«يديعوت احرونوت» الاسرائيلية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved