Thursday 27th march,2003 11137العدد الخميس 24 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صور من الصحراء صور من الصحراء
عادات وتقاليد في الصحراء
مشعل الجبوري

لعل في وفود العرب على كسرى والحوار الذي جرى بينه وبين النعمان بن المنذر ما يبين لنا الوضع الذي كان عليه العرب وخصوصا سكان الصحراء في زمانهم ويصف بعض عاداتهم وتقاليدهم المتوارثة والسجايا التي يتحلون بها.
قال كسرى: لم ار للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولادنيا ولاحزم ولاقوة مما يدل على مهانتها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطيور الحائرة يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضاً من الحاجة قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الابل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وان قرى احدهم ضيفا عدها مكرمة وان اطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم وتفخر بذلك رجالهم.
فكان مما قاله النعمان جوابا لكسرى: العرب لم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل، حصونهم ظهور خيولهم ومهادهم الأرض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أبا أبا حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولاينتسب إلى غير نسبه ولا يدعي غير أبيه وأما سخاؤهم فان أدناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة أو الناب عليها بلاغه في حموله وشعبه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزئ بالشربة فيعقرها له ويرضى ان يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الذكر.
ثم ان خيلهم أفضل الخيل ونساءهم أعف النساء ولباسهم أفضل اللباس ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر واما وفاؤهم فان أحدهم يلحظ اللحظة ويومئ الايماءة فهي وعد وعقد لايحلها الا خروج نفسه وان احدهم يرفع عودا من الأرض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وان احدهم ليبلغه ان رجلا استجار به وعسى ان يكون نائيا عن داره فيجيره وانه ليلجأ اليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه واموالهم دون ماله واما قولك أيها الملك يئدون أولادهم فانما يفعله من يفعله منهم بالاناث انفة من العار وغيرة من الازواج واما قولك ان افضل طعامهم لحوم الابل على ما وصفت منها فما تركوا مادونها الا احتقارا له فعمدوا إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم ما أنها أكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وأرقها البانا وأقلها غائلة وأحلاها مضغة وانه لاشيء من اللحمان يعالج به لحمها الا استبان فضلها عليه وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد إلى رجل يسوسهم ويجمعهم فانما يفعل ذلك من يفعله من الأمم اذا انست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها اليها بالزحف وانه انما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون اليهم امورهم وينقادون لهم بأزمتهم وأما العرب فان ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا ان يكونوا ملوكا اجمعين.
إذن فجواب النعمان بن المنذر لكسرى يتضمن طائفة من السجايا والخلائق التي لاتزال موجودة لدى البدو والحضر من العرب في زماننا من هذه الخلائق الانفة والعزة والصبر والاهتمام بالانساب والكرم والسخاء والعفة والوفاء واغاثة الملهوف واجارة المستجير والطموح اللا متناهي حتى لقد حاولوا ان يكونوا ملوكا اجمعين ولا نكون مغالين اذا قلنا: ان هناك مظاهر لاتزال باقية من حياة اولئك العرب الاقحاح في عهودهم القديمة عندما كانوا يعيشون عيشة البداوة بين ابلهم واغنامهم ويدافعون عن حماهم بسيوفهم على صهوات جيادهم وعندما كانوا يجدون في صيد الارام والغزلان مجالا فسيحا للهوهم وغذاء لأرواحهم قبل أجسادهم وهذه المظاهر ماهي سوى امتداد متصل لحياة العرب الأولى التي نقرأ اقدم وصف لها في شعر المعلقات ودواوين شعراء الجاهلية وهذا الشعر وتلك الدواوين ثروة لنا اذا اردنا الحفاظ على لغتنا اذ ان أصول هذه اللغة وروافدها الأولى مستمدة ومستقاة من ذلك الشعر ولن نفهم كثيراً من أدبنا القديم والحديث مالهم نفهم الشيء الكثير من وسائل تلك الأمة في عصورها القديمة وتلك الوسائل لاتزال آثارها باقية في هذا الجنس من ابنائها الذي يعيش عيشها ويحيا حياتها في باديتها.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved