Thursday 27th march,2003 11137العدد الخميس 24 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بعد المقاومة العراقية الشديدة في الجنوب بعد المقاومة العراقية الشديدة في الجنوب
هل تتغير تكتيكات حرب وغزو العراق ؟

  * القاهرة مكتب الجزيرة - عثمان أنور:
على عكس ما كانت تتوقعه القوات الأمريكية والبريطانية جاءت المقاومة العراقية قوية وجاءت استراتيجية الدفاع العراقي متماسكاً فيما ارتبكت واهتزت الاستراتيجية العسكرية لقوات الغزو وهذا ما أكده المخططون العسكريون في قوات التحالف حينما توالت التصريحات بأنهم بدأوا في إعادة تقويم الخطط الموضوعة في ضوء العمليات الجارية في جنوب العراق حيث بدا ان هناك اتجاها لتحريك الفرقة 101 المحمولة جوا لتدخل بغداد في الاتجاه الجنوبي الغربي بدلا من الشمال، واعترفت المصادر العسكرية لقوات التحالف بان إعادة تقويم الخطط وطبيعة نشر القوات جاء كرد فعل على المقاومة الشرسة وغير المتوقعة التي بدأتها الوحدات العراقية وأفراد العشائر ونتيجة للاشتباكات العنيفة مع القوات العراقية والمقاومة المحلية مما يطيل زمن العمليات .... فهل فشلت خطة التحالف ضد العراق حتى الآن ؟ وهل تضطر واشنطن ولندن لتغيير الخطط العسكرية أو نقل الهجوم والغزو المكثف إلى الشمال العراقي بعد المقاومة العنيفة من الجنوب من أجل تحقيق نتائج سريعة تضمن لهم إحراز تقدم عسكري على مختلف الجبهات داخل الأراضي العراقية ؟ وما هي الخطوات القادمة ؟ حول هذه التساؤلات يجيب الخبراء العسكريون ل«الجزيرة:
يقول الخبير العسكري الإستراتيجي اللواء عبد الرحمن الهواري ان المرحلة الأولى من الحرب قد أوضحت ارتباكا في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية والبريطانية وفي ضوء ما حدث نجد ان الوضع الجغرافي للمنطقة في الجنوب رغم انه أسهل من الشمال الا ان قوات التحالف جوبهت بمقاومة شديدة فمدينة الفاو وهي مدينة صغيرة تقع في منطقة الحدود مع ايران والكويت والمسافة بينها وبين مدينة البصرة أكثر من 100 كم وهي أرض صحراوية منبسطة ومكشوفة تبدو على سطحها المياه الجوفيه باتساع حوالي 50 كم من الجانب الشرقي الذي ينتهي بحدود ايران وغرب طريق الفاو البصرة بعرض حوالي 50 كم وتبدو الموانئ المنتشر ة على طول شط العرب على الخليج العربي وحيث تنتشر القوات البريطانية والامريكية في هذه الصحراء فان الأمر لا يمثل خطورة حقيقية على العراق التي تخطط منذ البداية لاستدراج القوات الامريكية والبريطانية لمزيد من التوغل لان معدات العراق القتالية لا يمكنها القتال على أرض صحراوية مكشوفة أمام قوات متفوقة في المعدات والأسلحة المتطورة أو عدد الجنود ولمنع تقدم القوات الامريكية و هذا يعنى ببساطة انها ستمر عبر قرى ومدن الخصيب التي تقع شمال الفاو ثم جنوب البصرة وهذه المنطقة الجغرافية تعطي للقوات العراقية فرصا لا حصر لها في التخفي واتباع استراتيجية الكر والفر بعد ذلك الدخول في منطقة الأحراش وتواجه القوات الامريكية والبريطانية فيما يسمى حرب الأحراش وهذه الحرب من شأنها إرباك واصطياد الجنود والمعدات الامريكية والبريطانية بسهولة وهي لا تكلف الجيش العراقي عناء المواجهة الصعبة وهذا ما يفسر سر تحرك القوات الأمريكية وتفضيلها التمركز على مسافات طويلة والضرب بكثافة نيرانية للمواقع بالصواريخ والقاذفات أولا باول حتى لا يقعوا في مرمى القوات العراقية التي قد تتخذ من هذه المنطقة والأحراش سواتر تعينهم على إنجاز مهامهم كما ان العراق يعتمد على انتظار تحرك القوات الامريكية والبريطانية في المسافات ما بين العاصمة بغداد ومدينة البصرة وهي مساحة حوالي 600 كم لان القوات الامريكية والبريطانية قد خططت قبل الحرب على احتلال البصرة أولا أو السيطرة على الجنوب العراقي بكامله باتجاه العاصمة بغداد التي هي هدف الحرب وفي مواجهة هذه الخطة قررت القيادة العراقية تقدم القوات في هذه المنطقة والتصدي لها لاجهاض تقدم القوات وأعتقد ان هذا ما تتورط فيه القيادة الامريكية والبريطانية أمام الخسائر التى لحقت بها في الأيام الماضية وأرى ان القوات الغازية ستضطر إلى توسيع نطاق حركتها بعيدا وهذا يعني مزيداً من الجهد والتكلفة ويتطلب وقتاً أطول مما تكون السيناريوهات الامريكية قد خططت له بقصد السيطرة على العاصمة العراقية بغداد، واذا كان هذا يحدث في جنوب العراق من مقاومة ضارية فسيكون أكثر ضراوة في شمال العراق حيث الأكراد ووضعيتهم الصعبة في ظل تخوفات تركيا من تسلحهم أو فرض سيطرتهم كما ان بالأكراد أيضا من يتصدى للغزو كما في كركوك والموصل تتمركز فيها دفاعات قوية وقبل بغداد من ناحية الشمال توجد تكريت فيها دفاعات وهي قبائل وعائلات اشد انتماء للنظام العراقي سيتعاملون بضراوة ومن هنا أرى ان التحول إلى توسيع جبهة الشمال سيقابل بمقاومة أشد من الجنوب لذلك تعمل القوات على استخدام الطائرات والقاذفات البعيدة المدى وفي كل الأحوال وفي حال تمكن القوات الامريكية والبريطانية من الوصول إلى بغداد سيواجهون بحرب شوارع وسيضمن العراق تفوقاً ما لان جانباً كبيراً من قوات الجيش ومليشيات حزب البعث قد تسلحوا وتدربوا على الحرب داخل بغداد وهنا تتفرغ الطائرات العراقية التي لم تستخدم بعد لمهمة دخول معارك خارج المدن مع طائرات وقوات بريطانيا وامريكا فيما يشبه المصيدة لقوات التحالف على طول الحدود الشمالية والجنوبية.
ومن ناحيتة يرى اللواء كمال حافظ الخبير العسكري الاستراتيجي ان الاتجاهات الأولى للحرب كانت تأخذ بما يسمى الاستراتيجية العسكرية المتدرجة ومن ثم كانت البداية بقصف جوى يستهدف القيادة العراقية بناء على معلومات مخابراتيه ولكنهم وجدوا ان هذا القصف الأول ثبت عدم جدواه فعادوا إلى الأخذ باسباب القوة وبادرت القوات الامريكية والبريطانية بالتقدم بالسيطرة على شبه جزيرة الفاو بما فيها من ميناء أم القصر وكانت الولايات المتحدة الامريكية تعتقد انها إذا أصابت القيادة العراقية وقتل صدام فان الأمور ستنتهي وان الجيش العراقي سوف يستسلم ولما لم يحدث ذلك أعرضت السياسة الامريكية عن الاستراتيجية المتدرجة وعادت إلى استخدام سياسة أقصى درجات العنف فسارعت بالقصف الشديد على بغداد وتحركت القوات البريطانية إلى الشمال وانزلت بعض القوات لقطع الطريق بين سوريا والعراق وتقدمت القوات الامريكية متجهة من الجنوب إلى الشمال في اتجاه البصرة والرميلة والناصرية بسرعة غير عادية لكنها في تحركها أغفلت ان هناك مقاومة شديدة وجيوباً تعرقل تقدمها فقد أخطأت امريكا وبريطانيا في الحسابات الأولى وبنت ما تقوم به على حسابات خاطئة لحرب الخليج الثانية كما ان الولايات المتحدة تصورت هذه المرة انها تستقبل استقبال الفاتحين لكن الحسابات اختلفت هذه المرة للدفاع عن الاراضي.
فيما يرى اللواء طلعت مسلم ان شواهد الحرب حتى الآن أبرزت استراتيجية عسكرية متماسكة أمام استراتيجية عسكرية امريكية وبريطانية مرتبكة وتعيد تبديلها وإعادتها أكثر من مرة فمنذ البداية أراد مخططو الحرب ان تكون سريعة وخاطفة بأقل قدر من الخسائر وأقصى قدر من استسلام القوات العراقية والتخلص من صدام لكن واقع الحال جاءت المقاومة العراقية والرغبة في محاولة تطويل أمد الحرب وتأخيرها ومضاعفة الخسائر ليظهر حجم المأساة على شاشات التليفزيون وإحراج بوش وبلير دوليا ومحليا ونجاح إبطاء زحف قوات التحالف وحرمان بوش وبلير من تحقيق الحلم بضربة خاطفة هو نجاح للقيادة العراقية وقد أوضحت مجريات الحرب في الأيام الماضية ان هناك مقاومة عنيفة كما تضارب الإعلام والبيانات الامريكية حول سقوط أم قصر والفاو وان هذين الموقعين شهدا ما يشبه الملحمة البطولية كما جاء زحف القوات الامريكية إلى البصرة بطيئا على عكس ما كان مقدرا له في الخطة الامريكية نتيجة نشر عدد من قوات الحرس الجمهوري في الدوائر الأخرى لبغداد.
ومن ثم الخطوة التالية هي قيام القوات الغازية بعمليات تطويقية شاملة مع قصف على المدن وقد يتم استخدام الأسلحة المحرمة في اللحظات الفاصلة لكن في المقابل يتم نشر القوات العراقية في المراكز المدنية بحيث تصبح القوات العراقية هدفا مستعصيا.
و المتابع للحرب يستطيع ان يتبين بسهولة ان الحرب تسير بشكل غير تقليدي مع مزجها بأساليب إعلامية مضللة للإيحاء بالسيطرة على مسرح العمليات والسمة الرئيسية للمرحلة الحالية من الحرب هي ممارسة أقصى ضغوط على القيادات والقوات العراقية بقصف جوي وصاروخي مكثف ولكن ظهرت الجيوب الدفاعية الصغيرة وهي خطيرة في إحداث بطء وشروخ في القوات الغازية وهنا يأخذ القتال شكل الخطوط غير المنتظمة وسيصبح الوقت هو العامل الحاسم.
ومع الاستمرار في ذلك يصبح الموقف صعبا ويتحول الأمر للإدارة الامريكية إلى كابوس مزعج وواقع الأمر فان المرحلة القادمة ستشهد معركة مفتوحة على كل الاحتمالات تتغير فيها الاستراتيجيات والاتجاهات وستلجأ قوات التحالف إلى جميع امكانياتها العسكرية دون تمييز بين مدني وعسكري.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved