جرب الإنسان في مسيرته العديد من الأساليب ليكون مجتمعاً قابلاً للتعايش، وتبنى الكثير من النظريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكنه ومع الأسف ما زال غير قادر على إيجاد نظرية تكفيه شر الحروب والمعاناة، لقد استطاع الإنسان القديم أن يتبنى نظرية الأسرة، فالقبيلة، فمجتمع القرية، لكن مع كونه قد جعل أساساً للتعاون بين أفراد ذلك المجتمع الصغير إلا أنه لم يستطع أن يبني أساساً للتعاون مع إخوانه في المجتمعات المماثلة، وذلك بسبب التنافس على الموارد، وحب الهيمنة لدى بعض قيادات تلك المجتمعات، أو بسبب بعض النزعات الشخصية المبنية على غير أساس.
وعالم الأمس استطاع تكوين إمبراطوريات كبيرة، عاش في ظلها الأسود والأبيض والأصفر، والعربي والغربي، والعجمي، والمؤمن والكافر والوثني.
لكنه لم يستطع أن يطرح نظرية تكفل التعايش العادل بين أفراد تلك المجتمعات، والأهم من ذلك أن إنسان الأمس، حاول التوسع للإطاحة بالإمبراطوريات المنافسة، ليجني مزيداً من الهيمنة وتوسيع مساحة السيطرة.
ومن المؤسف حقاً أن هذه الممارسة ما زالت قائمة لدى إنسان اليوم. فإنسان اليوم، الذي استطاع بمهارة فائقة أن يخترع التلفاز، والراديو، والإنترنت، والسيارة، والطائرة. هو ذاته الإنسان الذي اخترع الصاروخ، والقنبلة، والدبابة، ليفرض رأيه، ويوسع إمبراطوريته، ويزيد من هيمنته، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإنسان ما زال يحتاج إلى تغيير كبير في نمط تفكيره، ونقلة في أسلوب تربيته ومنهاج تعليمه.
والإنسان عليه أن يكون شجاعاً في حربه الضروس ضد شهوات نفسه غير الحميدة، ليتخلص من تبعات تلك الشهوات وعليه أن يروض نفسه على العدل حتى ينام مطمئن البال، ولو كان كذلك لاستطاع تلافي الكثير من الحروب، مثل الحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها من الحروب، لقد أباد الإنسان نفسه بآلات الدمار الحديثة من قنابل ذرية وأسلحة فتاكة أخرى، في الوقت الذي كان يمكنه تلافي ذلك بشيء من التحلي بالصبر والتأمل، والتخلص من النزعات الذاتية الجالبة للكثير من المآسي.
يمكن للإنسان أن يكون منصفاً وعادلاً لو أراد ذلك، ويمكنه أن يعيش تحت مظلة القانون العدل الذي وضعه، لا أن يناقضه. لكن هذا الأمر يحتاج إلى تربية ومنهاج وشجاعة في صد النوازع الشريرة الذاتية التي طالما كانت القائدة إلى المهالك.
في ظل وجود الأسلحة الفتاكة المدمرة في هذا العصر، لا بد من تغير في أسلوب التفكير، فلا بد أن يحل العدل في العلاقات الدولية بدلاً من المصالح، وهذا يتطلب تغيراً كبيراً في التربية ومنهاج الدراسة والبحث.
على العالم أن يغير الهيمنة والسيطرة والمصالح إلى العدل والإنصاف واحترام الطرف الآخر، وهذا يحتاج إلى مزيد من الشجاعة في الصراع الذاتي، وإلا فإن الإنسان سوف يقضي على نفسه بنفسه، كما أنه سوف يقضي على الحيوان والنبات وسوف يلوث الماء والهواء.
فهل إنسان اليوم قادراً على الانتقال الفكري إلى مراحل متقدمة تعالج نزعاته الذاتية؟.
|