يخيم على الوطن العربي والعالم الإسلامي شبح عدوان واسع ستشنه إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش على الشرق الإسلامي بدءا من بغداد وانتهاء بما الله به وحده عليم، قد تكون نقطة البداية واضحة محددة وهي بغداد ولكن لا أحد يعلم إلى أي مدى سيمتد هذا العدوان وهل سيكتفي بالعراق وبطرد صدام حسين أم أن هناك دولا أخرى ستتلوها، وأسبابا ومبررات لذلك لم تتضح بعد وستظهر فيما بعد. أجزم أن صدام حسين لا يعني شيئا للغرب، ولا يقدم ولا يؤخر في مقاييسهم ومعاييرهم السياسية، بل إن وجوده وبقاءه على رأس النظام في بغداد يصب في مصلحتهم، وما إصرارهم على ضرب العراق وإزاحة صدام حسين عن رأس القيادة السياسية في بغداد وتضحيتهم به - وهو سر شرعية بقائهم في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على وجه الخصوص - إلا من باب تغليب المصالح وعلى طريقة التضحية بالمصلحة الدنيا لصالح المصلحة العليا فما هي هذه المصلحة؟
يكثر القول إن أسباب الهجوم إذا تم هو التغطية على فشل الحكومة الأمريكية الاقتصادي وكذلك الأمني وخصوصا بعد اختراقات الحادي عشر من سبتمبر، نعم إن الاقتصاد الأمريكي يتراجع يوما بعد يوم، وقد بدأت معالم الضعف والشيخوخة تدب في أوصاله ومفاصله وأخذت الشركات الأمريكية والعملاقة منها على وجه الخصوص تعاني من مآزق اقتصادية وأزمات مالية أجبرت عددا منها على إعلان إفلاسها.ودعت كبار المستثمرين العالميين الى تغيير وجهات رؤوس أموالهم الى أوروبا، وإلى الشرق الأقصى وخاصة اليابان، كما دعا الشركات الأمريكية نفسها الى نقل نشاطاتها الى تلك المناطق هناك وخاصة إلى الصين.
مثل هذا التفسير لا يخلو من شيء من الصحة خاصة وأن المسؤولين الأمريكيين أنفسهم وخاصة الكبار منهم قد أعلنوا أنه في حال نشوب الحرب فإنهم قد يضعون حقول النفط العراقية تحت الحماية الأمريكية، وهذا ما يقوي وجهة نظر من يقول بهذا الرأي وأن الهدف من الحرب هو الاستيلاء على منابع نفط العراق والخليج، وهو الأمر الذي ولا شك قد جعل روسيا وفرنسا تنظر بعين الشك والريبة إلى العدوان الأمريكي على العراق ولا تثق في مبرراته، لكن الأمر من وجهة نظري ليس على إطلاقه خاصة إذا تذكرنا ملاحظة أن فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون تميزت بالتركيز على تحسين الاقتصاد الأمريكي ونجحت في ذلك أيما نجاح مما جعله ينهي ولايته الثانية والاقتصاد الأمريكي في أفضل حالاته إن لم تكن الأفضل على الإطلاق.
قد يقول قائل إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد هزت الاقتصاد الأمريكي وأثرت فيه ... ولكن مع التسليم بأن حادثة الحادي عشر من سبتمبر كان لها تأثير على الاقتصاد الأمريكي بل والعالمي لكن يجب أن ندرك أن هذا التأثير ليس الى الدرجة التي تؤدي الى استحالة شفائه وعافيته إلا بالاعتماد على مصادر خارجية، أو الاستيلاء على مصادر النفط العالمية. يجب أن ندرك أن الحدث وقع لدولة هي الأقوى عالميا على جميع المستويات وفي مقدمة تلك المستويات المستوى الاقتصادي الذي يعتبر قوة اقتصادية هائلة لا يمكن أن يؤثر فيها إطلاقا سقوط برج خرساني مهما كان عدد أدواره أو نوعية محتوياته.
أو اتخاذ بعض الاحترازات والاحتياطات الأمنية التي اتخذتها الحكومة الأمريكية في حينه، ربط هذا الأمر بملابسات حادثة الحادي عشر من سبتمبر والمبررات غير المقنعة والكيفية التي شابتها الشكوك والأدلة الواهية التي لم يصدقها أحد حتى الشعب الأمريكي نفسه يقوي الاعتقاد بالقول إن العامل الاقتصادي قد يكون أحد الأسباب الجوهرية للحرب على المنطقة ولكنه ليس العامل الأساسي والحاسم في القضية خاصة إذا لاحظنا أن الوهن الاقتصادي الذي بدأت تعاني منه أمريكا قد بدأ يظهر جليا للمحللين الاقتصاديين وخبراء التخطيط بعد غزو أفغانستان ومع بدء الاستعدادات لغزو العراق وتركيز الجهود على الجبهة الخارجية وحشد القوى لجمع الأدلة، وإقناع الآخرين بقبول مبررات الهجوم. وهذا ولاشك قد أدى الى إهمال الشأن الداخلي وخاصة الجانب الاقتصادي والتعالي على هذه القضية بالاستمرار في الاستعداد للحرب حتى وصل الأمر إلى الادعاء بإمكانية وقدرة الولايات المتحدة على شن حربين في وقت واحد كما جاء على لسان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وهو -ولا أشك في ذلك - غطرسة منطق القوة، ومكابرة وتجاهل للحقائق الواضحة وتعال على واقع التجربة والسير ضد منطق الزمن والتاريخ.
أمريكا التي يدفعها سماسرة الحرب وتدفعها شركات الأسلحة ومصانعها، إلى دخول الحرب - لوضع الأجيال الجديدة من مخترعات الأسلحة على محك التطبيق والتجريب للتعرف على مدى فاعليتها ونجاحها في وظائفها المنوطة بها - تسعى إلى رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط تتحول فيها هذه المنطقة إلى منطقة خدمات صريحة للمصالح الأمريكية، إنه يتعدى حدود الاستفادة المادية القريبة، وخلق مناطق ولاءات إضافية الى استهداف حضاري شامل، وبحسب منطق وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى تشكيل جديد للمنطقة يتناسب مع المصالح الأمريكية، فما هي كيفية هذا التشكيل؟ وما هي المصالح الأمريكية في المنطقة؟ وكيف يلبي هذا التشكيل مصالح أمريكا؟... هذا هو مربط الفرس وهو السؤال الذي لابد من البحث عن إجابة له.
Overloaded with spam? With MSN 8 you can filter itout
|