Saturday 22nd february,2003 11104العدد السبت 21 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

النمو الاقتصادي اللبناني بعد باريس 2 النمو الاقتصادي اللبناني بعد باريس 2
د. لويس حبيقة

هنالك خصائص مشتركة في الدول التي تعرف حروباً قوية كلبنان، فخلال الحرب، يرتفع مؤشر التضخم وينخفض النمو وتزداد البطالة. وكلنا نذكر النسب التضخمية المرتفعة التي عرفها لبنان خلال الحرب، أي عملياً في منتصف الثمانينيات، وبعد الحرب ينخفض مؤشر التضخم وترتفع نسبة النمو تماماً كما حصل في لبنان، فالنمو الاقتصادي اللبناني كان قوياً في بداية التسعينيات، أي بعد انتهاء الحرب ومع بداية الاعمار. إلا ان هذا النمو لابد ان يخف إذا لم تقم الدولة بالإصلاحات المناسبة والحديثة، وهذا ما حصل أيضاً في لبنان. الدروس بشأن النمو الاقتصادي اللبناني لابد ان تنبع من تجاربنا وأخطائنا الداخلية، كما من التجارب الخارجية الناجحة، فالعالم اليوم أصبح صغيراً بفضل التكنولوجيا التي حققت ما يعرف بالعولمة، وبالتالي أصبحنا نتأثر كثيراً بعضنا ببعض. ان الاستفادة من تجارب الغير هي في غاية الأهمية لتخفيف المخاطر وتقليل الكلفة وتحقيق المنافع بأسرع وقت ممكن، فإذا قارنا النمو الاقتصادي اللبناني بالشرق آسيوي والأمريكي اللاتيني، تتبين لنا بعض الجوانب الأساسية للنمو الحديث.
أولاً: يدل النمو الشرق آسيوي على ان الدول ليست بحاجة إلى ثروات طبيعية كبيرة كي تحقق نموا قويا، فهي بحاجة إلى سياسات مدروسة تعزز فرص النمو وتقويه. هذا يعطي أملاً كبيراً لدولة كلبنان لا تنعم بالثروات المادية، بالرغم من التقارير الحديثة التي تؤشر إلى وجود ثروات نفطية محتملة، كما تدل مختلف الدراسات العالمية على ان الدول التي تنعم بثروات طبيعية كبيرة تنمو بنسب أقل من مثيلاتها التي لا تنعم بهذه الثروات، فلبنان أثبت هذه النظريات في الستينات والسبعينات، وجاءت الحرب لتؤخرنا كثيراً في كل الميادين.. فالعودة إلى النمو المميز القوي لا يمكن ان تتم بين ليلة وضحاها، في وقت تقدمت خلاله كثيرا معظم دول المنطقة والدول الناشئة البعيدة أيضاً. التحديات التي تقف في وجه لبنان تتلخص في كيفية استعادة هذا النمو واسترجاع بعض الفرص المهمة التي ضاعت بسبب الحرب أو بسبب سوء الإدارة العامة على مدى الزمن.
ثانياً: حققت دول شرق آسيا نموها المدهش بفضل سياساتها الذكية المدروسة، فسيطرت على التضخم في وقت كانت دول أمريكا اللاتينية المشابهة والمنافسة تغرق فيه. كان معدل التضخم السنوي في التسعينيات يعادل 6 ،5% في شرق آسيا مقابل 7 ،25% في أمريكا اللاتينية، أما نسبة التجارة الخارجية من الناتج المحلي الاجمالي، فبلغت في التسعينات 6 ،121% في شرق آسيا و6 ،28% في أمريكا اللاتينية، أما نسب التوفير والاستثمار من الناتج المحلي الاجمالي، فكانت هي أعلى أيضاً في آسيا. نتج عن معظم هذه السياسات المالية والتجارية المنفتحة نموا سنويا كبيرا في شرق آسيا قارب 76 ،6% مقابل 33 ،3% في أمريكا اللاتينية، وبالرغم من ان المجموعتين عانتا كثيراً من الأزمات المالية والنقدية الحادة خلال التسعينيات، إلا ان دول آسيا استطاعت النهوض مجدداً بسرعة أكبر، بينما بقيت الأرجنتين والبرازيل وغيرهما تتخبط في أزماتها الكبرى.
ثالثاً: لابد من القول إن المجموعتين الناشئتين الناجحتين نسبيا استثمرتا كثيرا في التعليم أي في الإنسان وحققتا مستويات كمية ونوعية عالية، فالجميع يستفيد من التعليم الابتدائي في المجموعتين، بينما تبلغ النسب للتعليم الثانوي 75% في شرق آسيا و59% في أمريكا اللاتينية.
أما في التعليم الجامعي، فتتغير النسب لتصل إلى 5 ،30% في شرق آسيا و5 ،19% في أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى ما سبق، تصل المستويات في الجامعات إلى ما يقارب أفضل الجامعات الأوروبية والأمريكية.
رابعاً: بفضل الاستقرار الاقتصادي والمالي الذي عرفته دول شرق آسيا استطاعت استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار F D I. فبينما زادت حصة شرق آسيا من هذه الأموال كانت الزيادة عادية في أمريكا اللاتينية أي من 3 ،7% إلى 10%، وحدها المجموعة العربية عرفت انحدارا في الاستثمارات المتوجهة إليها من 3 ،5% إلى 1% فقط من المجموع العالمي. تحقيق الاستقرار هو شرط أساسي لاجتذاب الاستثمارات وبالتالي لتحقيق النمو. نتج عما سبق انخفاض في عدد الفقراء في دول شرق آسيا، أي في الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، يقدر بـ261 مليون شخص بينما زاد عددهم 3 ملايين شخص في أمريكا اللاتينية، الفارق يعود إلى سوء توزع النمو في أمريكا الجنوبية وحسن توزعه في شرق آسيا. إن استمرار هذا الواقع في أمريكا اللاتينية يبشر بحصول أزمات اجتماعية خطيرة وقريبة، فالمعالجة ضرورية، بل يجب ان تقع في طليعة الأولويات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية.بالإضافة إلى ما سبق حيث يمكن أخذ العبر البديهية والمفيدة للواقع اللبناني، لابد من وضع بعض المقترحات الخاصة بلبنان والتي تزداد أهمية بعد باريس 2 وحصول لبنان على دعم مادي ومعنوي ونفسي مهم بالرغم من الظروف الاقليمية والدولية غير المناسبة. تساهم أموال باريس 2 في استبدال دين مكلف بآخر أدنى كلفة، أي بتخفيض كلفة الدين العام وبالتالي اراحة الموازنة قليلاً. تخفيض عجز الموازنة يساهم في تخفيض اقتراض الدولة من السوق، وبالتالي تخفيض الفوائد واعطاء فرص افتراضية أكبر للقطاع الخاص. يتوقف تحقيق نمو اقتصادي قوي على تحقيق التحديات الكبيرة التالية مجتمعة، والتي تتطلب استعدادا ورغبة من قبل الدولة على القيام بها:
أولاً: إزالة كل العوائق الإدارية والقانونية أمام الاستثمارات. يتم ذلك عبر اعتماد التشريعات المناسبة ورفع إنتاجية الإدارة العامة دون اللجوء إلى الصرف في هذه الظروف. توزيع الموظفين بين الإدارات والمؤسسات العامة ضمن الدوام الحالي يمكن ان يفي بالغرض. لا شك ان اعتماد الشفافية والمحاسبة على جميع المستويات يبقى من أولويات لبنان وكل دولة راغبة في الدخول إلى الاقتصاد الجديد. لا يمكن في الواقع القيام بأية عمليات خصخصة قبل ممارسة الشفافية واقناع الرأي العام بأن ما تقوم به الدولة يصب في مصلحته. تنفيذ الخصخصة يحتاج إلى عودة ثقة المواطن بالدولة وإلا فشلت حكما.
ثانياً: تعاون الدولة مع القطاع الخاص لرفع إنتاجية الشركات وبالتالي كافة القطاعات الإنتاجية، فيمكن للدولة تقديم الارشاد والمساهمة في تمويل البحوث ليس بالضرورة من الموازنة بل من الأموال التي تأتي من خارجها عبر هبات أو قروض ميسرة من باريس 2 وغيره، كما ان اعتماد قوانين حديثة لحماية المنافسة وقتل كل أنواع الحصريات والحفاظ على حقوق المستهلك تساعد كلها الشركات المتوسطة والصغيرة وتشجع الشباب والشابات على خوض غمار الاستثمار والمنافسة. فالأفكار الجديدة والابتكارات الممتازة تأتي معظمها، حتى في الدول الصناعية، من الأفراد وصغار الشركات حيث تكون الإنتاجية قوية والرغبة في النجاح هائلة.
ثالثاً: الاستفادة من الاتفاقيات التجارية الهامة التي وقعتها لبنان وفي طليعتها الشراكة الأوروبية المتوسطية والقيام بكل الاصلاحات التحريرية المطلوبة، خاصة في ميدان المنافسة، فلبنان، كدولة صغيرة بحاجة جدا للأسواق الخارجية الواسعة. لابد من بذل الجهود الكافية للدخول إلى منظمة التجارة العالمية كالدول العربية التي سبقتنا والتي لا تعتبر متقدمة اقتصاديا علينا.
رابعاً: تحقيق التعليم النوعي على كافة المستويات، إذ ان ما يجري بشأن الرخص الممنوحة للجامعات مقلق جدا ويمس بجوهر دور لبنان في المنطقة وما بعد. المطلوب، ضمن الموارد البشرية والإنسانية المتوافرة، ابقاء عدد الرخص في حدود مقبولة أي دمج بعض هذه الجامعات والكليات كي تتمكن عبر الموارد التعليمية المتوافرة من تحقيق أفضل النتائج.. فهل من يسمع؟

www.louishobeika.com

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved