مما لا ريب فيه أن المملكة قد خطت خطوات سريعة وهامة في العقود الأخيرة لتطوير القطاع الطبي الذي تنامى في مختلف النواحي سواء في توفير المستشفيات والمراكز الصحية التي بلغت «2219» مستشفى ومركزاً صحياً، أو ما عملت عليه لتوفير أحدث التقنيات الطبية العالمية، إضافة إلى تأهيل الكوادر الطبية التي أثبتت كفاءتها في كافة التخصصات وشاركت في المحافل الطبية العربية والدولية إضافة إلى توفير الأطباء أصحاب التخصصات الأكثر ندرة على المستوى العالمي.
ولاشك أن التطور المذهل في القطاع الطبي يؤكد ما توليه حكومتنا الرشيدة من اهتمام ورعاية لكافة الاحتياجات الاجتماعية على المستوى الطبي وتوفير أرفع الخدمات الطبية محلياً، إلا أن هناك العديد من القرارات التي تتطلب منا جميعاً وقفة متأنية ودراسة أبعادها وتأثيراتها بشكل يحفظ حقوق الأطراف ذات العلاقة وخاصة في القطاع الطبي حتى لا يكون هنالك نوع من الارتباك واتساع الفجوة فيما بين الأطراف العاملة في هذا الحقل الهام لأن هدف الجميع هو العمل على التكامل المشترك وتوفير الخدمة المميزة لمجتمعنا وإعلاء مكانة الوطن في هذا القطاع.
ولا جدال في أن التوجيهات السامية التي صدرت مؤخراً فيما يخص تنظيم عمل الأطباء في القطاعين العام والخاص وعدم السماح لمن يعملون في القطاع العام بالعمل في أوقات فراغهم في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة وعياداتها، قد صدرت من منطلق مصلحة وطنية إلا أن تنفيذ هذا القرار قبل وضع الترتيبات اللازمة ومراعاة ظروف القطاع الخاص الذي سيحرم من خبرة العديد من الأطباء العاملين في القطاع العام الذين يعملون أثناء فراغهم في القطاع الخاص لمعالجة المرضى الذين لا تتاح لهم إمكانية دخول المستشفيات العامة للاستفادة من تخصصاتهم سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع كبير في التكاليف من ناحية كما يؤثر سلبياً على القطاع الخاص الذي توليه حكومتنا الرشيدة أهمية كبيرة من خلال توجهاتها إلى الخصخصة مما يعني إجهاض الجهود المبذولة وبالتالي ازدياد أعباء الدولة التي يجب أن نرفع عن كاهلها هذا العبء الكبير في حين أن التعاون المشترك بين القطاعين وإيجاد صيغة مشتركة سوف يصلان بنا إلى حل الكثير من المشكلات، هذا بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من ذوي التخصصات الطبية النادرة في القطاعين، مما يستلزم إشراكهم في المعالجة نظراً لوجود عجز في الكوادر الطبية البشرية المدربة لمواجهة خطط التوسع الكبير في القطاع الطبي حيث إن الإحصائيات الواقعة تؤكد أن المعدل الحالي للأطباء يصل إلى «6 ،1» طبيب لكل ألف شخص.
بينما يصل على المستوى العالمي إلى «3» ثلاثة أطباء لكل ألف شخص ومن المؤكد أن تأمين استقرار القطاع الطبي الخاص سيؤدي به إلى توسيع خدماته وبالتالي إلى استقطاب العناصر الوطنية الجديدة المؤهلة من جهة وإلى توظيف عدد كبير من اليد العاملة السعودية وتطبيق السعودة بأوسع الإمكانيات من جهة أخرى.
إن الإحصائيات تؤكد احتياج المجتمع إلى تدعيم دور القطاع الخاص والعمل على ربطه بالقطاع العام في عملية تكاملية تنعكس على توفير الخدمة الطبية المتميزة للمرضى، وتعزيز فرص الاستثمار الموجودة في القطاع الطبي مع تبادل الخبرات وفتح قنوات على المستوى الطبي بكل فروعه بين القطاعين لخدمة المصلحة العامة، وهذا ما يحدث بصورة فعالة وناجحة في كثير من الدول وخاصة المتقدمة منها، كما يمكن إيجاد الصيغ الإدارية التي تنظم عملية التبادل بين القطاعين العام والخاص مع وضع مصلحة الجانبين في الاعتبار على المستوى الاقتصادي بتحديد نسب مدخولات للمستشفيات والأطباء..، حتى لا تنشأ فجوة ضخمة بين القطاع الخاص والقطاع العام وأن يكون التعاون لتخفيف الأعباء عن كاهل الدولة التي تتحمل ميزانية ضخمة في هذا القطاع، إنه ينبغي أن تتم مناقشة عدد من النقاط الهامة والحيوية التي تستهدف مصلحة الوطن مع الأخذ بعين الاعتبار أن المملكة قد أصبحت في العقود الأخيرة إحدى الدول الرائدة في مجال السياحة العلاجية وسوف يكون التخوف كبيراً من الآثار السلبية من وراء تأثر أحد القطاعين الطبيين، خاصة وأن 6% من ناتج الدخل القومي يأتي من خدمات القطاع الطبي الخاص ومع التأمين الذي قد يطبق مستقبلاً فإن هذا الدخل سيزيد حصة الناتج القومي من القطاع الخاص.
وانطلاقاً من الحرص على المنجزات الطبية التي تمت في وطننا الغالي فإننا نأمل من ولاة أمرنا النظر في كيفية تحقيق المعادلة والتوازن بين القطاع العام والخاص وإفساح المجال والوقت الكافي لمناقشة الأمور التالية:
- وضع خطة عمل للتعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص وذلك للحفاظ على المصالح المشتركة بين القطاعين.
- استفادة القطاع الخاص من الاختصاصات الطبية النادرة المتوفرة لدى القطاع العام والتي يحتاج إليها القطاعان معا وذلك لتخفيض النفقات المرتفعة التي تثقل كاهل المريض وذلك من خلال الاتفاق بين قطاعي الخدمات الطبية العامة والخاصة.
- إرجاء العمل بالقرار لمنح المستشفيات الخاصة الوقت الكافي الذي تستطيع معه تطبيق القرار من خلال تأمين البديل عن الأطباء الذين سيوقف تعاملهم معها بشكل يحقق مصلحة الجميع، أو أن يكون هناك اتفاق يتم فيما بين المستشفيات العامة والمستشفيات الخاصة والأطباء مما يكفل مصلحة الجميع ولا يحمل البلاد نفقات كبيرة نتيجة استيراد كوادر أجنبية والاستفادة من أوقات الأطباء السعوديين وإفادتهم لا سيما وأن القطاع الطبي الخاص جزء من الوطن.
(*) رئيس مجلس المديرين بمستشفى المركز التخصصي الطبي
|