* الرياض عبدالله السمطي:
ما هي حقيقة الإسلام؟ وما هي مبادئه وقيمه في التعامل مع الآخر؟ وكيف يتعامل المسلمون مع دينهم؟ وهل يعبرون فعلاً اليوم عن رسالته؟
هل يحتاج الإسلام إلى بيان حقيقته، ولدينا: القرآن الكريم والسنة النبوية؟
هذه الأسئلة وغيرها كانت مثار حديث الندوة التي أقيمت مساء أمس الأول بقاعة الملك فيصل ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية 18 تحت عنوان «حقيقة الإسلام» وشارك فيها كل من د. عبدالله المطلق، ود. خالد المذكور، والشيخ محمد الراوي والشيخ محمود غازي وأدارها د. خليل الخليل.
في البدء تحدث د. عبدالله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء، وقال: إن التوحيد وحقيقة الإسلام يبينهما قوله تعالى: {وّإلّهٍكٍمً إلّهِ وّاحٌدِ} إن الإسلام لا يقوم إلا على التوحيد الذي تضمنه الركن الأول من أركان الإسلام: «أشهد ان لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله» والذي تضمن: توحيد «الربوبية» و«الالوهية» و«الأسماء والصفات»، وتوحيد الرسالة، فهو صلى الله عليه وسلم متبع وحده، وأمره أمر ثان.
والله سبحانه وتعالى هو الخالق، وهو الرزاق.
وأوضح د. المطلق أنواع التوحيد بشكل مفصل، فالربوبية لله تعالى وهو الخالق، وقل ان يختلف فيه الناس، والالوهية ويسميه البعض توحيد العبادة، وهو المعترك الذي قامت فيه المعارك بين الرسل وأقوامهم.
إن هذا التوحيد هو المجال بين أنصار الله وأعدائه.
والتوحيد الثالث هو افراد الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى والواجب فيه اثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه.. {لّيًسّ كّمٌثًلٌهٌ شّيًءِ وّهٍوّ السَّمٌيعٍ البّصٌيرٍ} ودلل المطلق بجملة من الآيات القرآنية الكريمة التي تؤكد على التوحيد بأنواعه الثلاثة: الربوبية، والالوهية، والأسماء والصفات.
وبين د. المطلق ان التوحيد هو أول ما جاء به الرسل.
ثمرات التوحيد
تحقيق التوحيد مع العمل سبب للنجاة في الدنيا والآخرة ونجاة من الشيطان، فلا يسلم الإنسان من تسلط الشيطان إلا إذا وجد عنده التوحيد.
إن قبول العمل وحصول الثواب متوقف على التوحيد، وأيضاً المغفرة {إنَّ اللّهّ لا يّغًفٌرٍ أّن يٍشًرّكّ بٌهٌ وّيّغًفٌرٍ مّا دٍونّ ذّلٌكّ لٌمّن يّشّاءٍ } والتوحيد الخالص من شأنه ان يحرر الإنسان من الآلهة الباطلة التي تعكر صفو الحياة.
ثم تحدث د. خالد المذكور عضو هيئة الفتوى بالكويت ورئيس اللجنة المكلفة بصياغة تطبيق الشريعة الإسلامية بالكويت، ونوه بدور المهرجان الثقافي وأبعاده التي تثري الساحة الثقافية وقال: كلفت في هذه الندوة ان أتحدث عن ثقافة أمة الوسط، وهذا المنهج هو الذي ينادى به الآن خاصة بعد 11 سبتمبر واحداثه وقد تمادى علماء الإسلام سواء في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة أو مجمع البحوث بالأزهر الشريف أو الندوة الإسلامية التي اقيمت بالكويت وكلها اهتمت بالمنهج الوسط الذي يراد تعريف الناس وابلاغهم به، الكل يسلم بأننا مسلمون لكن نريد ان نبلغ ذلك للآخرين.
ولا شك ان الاخوة الكرام من الجاليات الإسلامية في الغرب وامريكا قاموا بجهد مضاعف في هذا المجال، لكن اعلامنا مازال قاصرا على الاطالة بما عند الآخرين بأمور يجب ان تبلغ في الحقيقة.
مديح التوسط
وصف القرآن الكريم الأمة الإسلامية بأنها أمة وسط{وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا} ووصف دينه وشريعته بأنها الصراط المستقيم {وّأّنَّ هّذّا صٌرّاطٌي مٍسًتّقٌيمْا فّاتَّبٌعٍوهٍ}.
والتوسط يرعى حق الجسم وحق النفس، ووصفت الأمة بأنها الأمة الوسط ذات المقاييس والمناهج المعتدلة التي شرعت للناس.
والوسطية تتبين في العقيدة الإسلامية والعبادات والأخلاق وكثير من الأحكام العملية.
وأضاف المذكور: أن الشريعة الإسلامية، وهو ما ينبغي توصيله لها ميادين ثلاثة في حياة الناس لها أسلوبها: ميدان العقائد، ميدان العبادات، ميدان المعاملات. والأسلوب في العقائد أسلوب المخبر الواصف، وفي العبادات: أسلوب المنشئ المجدد، وفي المعاملات: أسلوب الناقد المهذب.
فالالوهية، والآخرة، والرسل، والثواب، والعقاب حقائق ثابتة ولا تكون محل اجتهادات.
أما العبادات فقد أنشأها الله تعالى على صورة خاصة كالصلاة المرتبة على ترتيب خاص، وهي ليست حقائق بل هي صور أنشأها الله تعالى وشرعها، وعلى العباد أن يرجعوا لله زماناً ومكاناً «لا يعبد الله إلا فيما شرع» هكذا قال علماء الأصول، ولا يجوز أن يؤلف أحد ما عبادة من عنده وبهذا الأصل أُبطلت البدع في العبادات.
ولا تتدخل الشريعة في ميدان المعاملات إلا لحماية المثل التي جاءت بها. فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى المدينة المنورة وجد فيها أسواقها وتقاليدها فكان موقفه موقف المهذب فقط ومن هنا نرى علماء الأصول يضعون قاعدة «المعاملات طلق حتى يرد المنع».. ونستطيع أن نضع منهجاً وسطاً يقوم على ثلاثة أمور:
1- من حق المجتمع المسلم أن يبتكر ما شاء في المعاملات وأن يجاري السياق العالمي في ذلك دون تحرج، وما ورد في الفقه والحديث هي أنواع من المعاملات يمكن الاضافة عليها.
2- الأصل في المعاملات الاباحة.
3- إن اشتمال بعض المعاملات على ناحية من التحليل والتحريم لا يكفي لمنعها بل يجب تفسيرها وتحليلها وتهذيبها وهنا سيتبين لنا نظرة الإسلام المتوسطة التي تعطي الحقائق الأصلية في الثبات والاستمرار وأن تتطور وتتجدد ويلاحظ في أمرها ما يصلح به الناس.
أما الداعية الشيخ محمد الراوي «عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف» فقد تناول حقيقة الإسلام من وجهة النفس الانسانية.
وبدأ بحمد الله تعالى الذي نزل الذكر وحفظه.
وقال حقيقة الإسلام لا يجهلها أحد، حتى من يسيئون إلينا. القرآن محفوظ والسنة محفوظة، فالقرآن يقرأ على الناس جميعاً حتى من محطات الأعداء ولا يستطيع أحد أن يغير حرفاً منه.
وأضاف: إن ما يراد هو أن تعرف حقيقة الإسلام، في واقع المسلمين، ونحن لسنا في حاجة لنبين الإسلام فالقرآن موجود.
حقيقة الإسلام في نفوس المسلمين هو الإسلام الذي يرجى أن يكون حتى لا يقال: إذا كان الإسلام عظيماً فأين عظمته فيكم؟ والحقيقة التي لا نفر منها أن المسلمين في فترات نكده لم يحملوا الإسلام بل حُملوا عليه وهذه حقيقة.
وذلك ليعرف ان الإسلام عندما نزل كان أثره مباشراً في الرسول الكريم.
اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خّلّقّ الإنسّانّ مٌنً عّلّقُ (2)اقًرّأً وّرّبٍَكّ الأّكًرّمٍ (3) الذٌي عّلَّمّ بٌالًقّلّمٌ (4) عّلَّمّ الإنسّانّ مّا لّمً يّعًلّمً }.
ودلل الشيخ الراوي بمجموعة من الآيات على تفاوت أخلاق الانسان ورأى أن الحضارة المعاصرة خاطبت في الانسان شهوته وملأت قلبه بالدمار وأخلت قلبه من خشية الجبار.
يجب أن نعبر عن الإسلام في أخوتنا وتعاوننا وإعلاء كلمة خالقنا. وتكون رسالة الأنبياء جميعاً نخاطب الانسان بها، نحن المسلمين بلا إدعاء أمة الرسل جميعاً، نقول: تعالوا إلى العدل الذي أرسل للرسل جميعا.
وقال الراوي: لا أعرف أن شيئاً ما تبين للناس كالشمس مثل القرآن الكريم والناس يعلمون ذلك تماماً.لكن علينا أن نبين ذلك في واقعنا حتى يعرف ان الإسلام أخرج ناساً أعلوا من قيمه وعبدوا إلههم فالإسلام خرج: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، الذي جاء للقاضي بيهودي وحكم للسيف باليهودي الذي أسلم بعد ذلك.
واختتم الشيخ الراوي حديثه بقول أبي بكر الصديق :«أربع من كن فيه كان من خيار عباد الله من فرح بالتائب واستغفر للمذنب ودعا المدبر وأعان المحسن».
وتحدث د. أحمد غازي «داعية باكستاني» فبدأ حديثه بامتداح مهرجان الجنادرية ودوره الثقافي.
وأوضح ان الإسلام دين ودولة، وليس مجرد عقيدة أو دعوة وهو أسلوب عمل، وأسلوب حياة.
وقال إن تطبيق أسلوب الحياة أفضل من الخطب، وإن الدعوة للإسلام استخدمت أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال غازي: إن حياة المسلم تقوم دائماً على الحركة المستمرة، ولا بد أن يكون المسلم مرتبطاً بنشاط ومجال الدعوة، والإسلام لا يقوم على اللون أو الجنس أو المكان الجغرافي بل يقوم على أسلوب حياة وأسلوب عمل. لذا فإن الحياة الجماعية سوف تستمر، ويقوم الإسلام بالتذكير دائماً والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
وبين غازي أن هناك طريقتين لاتباع منهج الله تعالى:
الالتزام بالأوامر، والابتعاد عن النواهي.
وعلينا أن نتواصى بالحق لنعرف طريق العدل، وأيضاً أن نتواصى بالصبر لنواجه العقبات.وقال إن الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية مرتبطان ببعضهما البعض فهما من مجال الدين الكامل المتواصل.
|