كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ارتفاع تكاليف الخدمات الطبية في المستشفيات الخاصة في بلادنا مقارنة بأسعارها الحقيقية وتصنيفها من حيث درجتها الطبية ، وكم أتمنى أن يكون هناك تعاون بين الإدارة المختصة في وزارة الصحة المشرفة على المستشفيات الخاصة وبين إدارة الفنادق في وزارة التجارة لتكوين لجنة خاصة بتقييم المستشفيات حسب درجتها الفندقية ونوعية خدماتها الطبية ، وقد تكون وزارة الصحة الموقرة قد وضعت أسعاراً خاصة ومحددة للأدوية والخدمات الطبية المتنوعة مقارنة بما يقدم في المستشفيات الرسمية.
والذي حرك في احساسي الصحفي لكتابة هذه الكلمات هو ما نشر في «الجزيرة» الغراء في يوم الثلاثاء 12/10/1423هـ في صفحتها الأخيرة لخبر «أفاده الزميل عبدالرحمن الرميح «تغريم طبيبين غادرا غرفة العمليات والمريض تحت التخدير اثر شجار بينهما!!» ولا أدري إن كان هذان الطبيبان يعملان في مستشفى خاص أو مستشفى عام والمصيبة في الحالتين أعظم والمعروف طبياً وانسانياً أن الطبيب حينما يدخل غرفة العمليات يترك وراءه العالم بأسره بفرحه وترحه ويركز تماماً على مجريات العملية التي يؤديها للمريض الذي تحت التخدير وهو بين الحياة والموت وأي خطأ من الطبيب أو الجهاز الطبي المساند له قد يؤدي لضياع حياة المريض التي هي بالتأكيد لدى أهله وذويه وأولي الأمر منا أغلى بكثير من غرامة تقدر بستين ألف ريال ، الذي آلمني أكثر بهذا الخبر غير الانساني أن الأستاذ صالح القرني المشرف على إدارة المخالفات الطبية بصحة الرياض يؤكد أن خلال السنتين الماضيتين عرض على اللجنة المكلفة على المخالفات أكثر من 100 مخالفة طبية وهذا الرقم لا يمكن أن يحدث لو أن المستشفيات الخاصة وكذلك العامة شعرت بمسؤوليتها الانسانية والجزائية والغرامة سهلة عند أكثر المخالفين ، ولكن السجن هو الرادع القوي لكل من يتلاعب بأرواح العباد وليتذكر هذه العقوبة مدى حياته.
قارئي العزيز لو كان المريض الذي تخاصم في غرفة العمليات أطباؤه أحد أقربائك من أخ أو أب أو أخت أو زوجة أو ابن أو ابنة وترك هذان الطبيبان غير الانسانيين وخرجا وهو تحت التخدير ، وقد يكون مفتوح البطن أو الدم مازال ينزف من جسده فماذا يكون شعورك وأنت أمام هذا الموقف غير الانساني الذي يدمر أعصاب كل من قرأ هذا الخبر لا من عاشه فعلاً؟!
إن الاستثمار في مجال المستشفيات الخاصة لابد وأن يكون استثماراً ممزوجاً بين الربح والانسانية ، فلا يمكن أن يستثمر تاجر أمواله دون ربح في هذا المجال بالذات ولا بد وأن يحسب حساب الخدمة الانسانية التي قدمها لأبناء شعبه بالمحافظة على صحتهم العامة وغالب هؤلاء المستثمرين هم من الأطباء الوطنيين الذين أقسموا بالمحافظة على صحة مريضهم وتقديم كافة الجهود الطبية المطلوبة بهدف انساني واخلاص متناه ولكن وأقولها للأسف مرة أخرى أن معظم الاستثمار الطبي في بلادنا يهدف أولاً وأخيراً للربح المادي فسعر الغرفة للخدمة الفندقية في هذه المستشفيات تتراوح بين خمسائة ريال وألف ريال ، أما الأجنحة الخاصة فحدث ولا حرج فأسعارها خيالية لا تصل إليها الأجنحة الفندقية في أجمل فنادق العالم ذات الخمسة نجوم وأكثر. وقد نحا بعض أصحاب هذه المستشفيات الخاصة أن يلحق بها أقسام لا تمت للخدمة الطبية بشيء ولا تحمل ترخيصاً من وزارة الصحة مثل فتح أقسام للتجميل وتصفيف الشعر وما يتبع ذلك من الحمام الزيتي والمغربي والتركي وبإشراف خبراء تجميل من بلاد الشرق الأقصى وبأسعار لا تصدق أبداً فالسيدة التي تريد أن تصفف شعرها بعد الحمام الزيتي وقص الشعر وفرده لا بد وأن يكلفها ذلك أو يكلف المسكين زوجها إن كان مطيعاً أكثر من1500 ريال، وهناك ملاحظة مهمة على معظم هذه المستشفيات الوطنية الخاصة أن إدارتها لا تدري ولا تعلم باستراتيجية السعودة في الوظائف العامة والخاصة التي تتبناها بلادنا وبجدية تامة في هذا المجال وقد تصل نسبة العمالة الأجنبية في الوظائف المساندة غير الطبية في هذه المستشفيات إلى 90% وكم أود أن تعيد مكاتب العمل في مناطق المملكة لجانها التفتيشية للمستشفيات الخاصة وتضع برمجة دائمة لإحلال الكفاءات السعودية الوطنية في الوظائف المساندة في أقسام الاستقبال والمحاسبة والاشراف على الغرف وغيرها من الوظائف اللاطبية كما أدعو وزارة الصحة أن تتبنى اقتراح ممارسة الطبيب السعودي الحديث التخرج وفي سنة الامتياز أيضاً في التدريب والممارسة تحت اشراف الأطباء الاستشاريين في المستشفيات الخاصة وإحلالهم بعد ذلك بوظائف الأطباء الأجانب فيها. نحن نفخر في منطقة الرياض بالذات أن ذكرى مستشفى الأهلي بشارع الخزان أصبح وريثاً لخدماته أكثر من خمسة عشر مستشفى ومجمعاً طبياً خاصاً وأرجو من الله سبحانه أن يلهم أصحاب هذه المستشفيات الحس الانساني في تأدية واجبهم الوطني نحو صحة أخيهم المواطن ، وأن يضعوا الهدف الإنساني طريقاً ممهداً للربح التجاري العادل وأن تنخفض مخالفات أطبائنا الأعزاء إلى الصفر في المستقبل القريب بفضل الله أولاً والضمير الحي الذي تهمه صحة أخيه الانسان لا سحب الريال من جيبه حياً كان أو ميتاً!!
(*) محلل إعلامي عضو جمعية الاقتصاد السعودية |