Thursday 26th December,200211046العددالخميس 22 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

طلاسم الخبراء طلاسم الخبراء
د. عبدالعزيز إسماعيل داغستاني(*)

يعتقد بعض خبراء الاقتصاد، ويصر بعض حملة شهادة الدكتوراه في علم الاقتصاد، على انهم خبراؤه الذين لا يشق لهم غبار، في كثير من كتاباتهم الصحفية. والملاحظ في كتاباتهم هذه انها تعتمد، في الغالب، على النقل المباشر، او الاقتباس الفاضح، وهو امر سهل ومقيت على حد سواء. ويلاحظ على هؤلاء انهم يتكلمون ويناقشون قليلاً، حتى لا ينفضح امرهم او ربما لأن ذلك يعتمد على ملكة او قدرة يفتقدونها. وعندما يكتبون في مسألة اقتصادية يستخدمون مصطلحات اقتصادية شديدة التخصص، يرى فيها عامة الناس طلاسم تحير الافكار وتشتت الانتباه وتبعد التركيز على المسألة المطروحة للعرض لتبرز على الشفاه علامات تعجب تتراقص امامها اكثر من علامة استهفام تفضي الى نوع من الاستهجان والازدراء.
ان مهمة الخبير الاقتصادي، او غير الاقتصادي عموماً، ان يستفيد عامة الناس من خبرته حتى يكون لها اثر او معنى او سبب. وهي مهمة وطنية في المقام الاول يجب ان تذوب امهامها بعض التطلعات الشخصية من حب الظهور الى اثبات الذات واستعراضها بطريقة سلبية تنحرف عن هدف نقل العلم من العلماء الى طلاب العلم.
نعود ونقول انه يحلو لبعض خبراء الاقتصاد، في ظل المتغيرات التي جعلت علم الاقتصاد يعيش مرحلة ازدهار في زمن اصبح الاقتصاد سيده وتاج رأسه، استخدام بعض المصطلحات الاقتصادية ويتمترس» وراءها فينتهي الامر من معالجة معضلة اقتصادية الى خلق معضلة فكرية او اخلاقية، والامثلة على ذلك كثيرة. يقول خبير اقتصادي، لا فض فوه: ان المستهلك سيتعرض عند زيادة استهلاكه من سلعة ما في فترة زمنية معينة الى تناقص المنفعة الحدية. ويحتار المستمعون، من عامة الناس، في كنه هذه المنفعة الحدية ولماذا تتناقص في زمن تتزايد فيه الشعارات والكوارث والمصائب على الامتين العربية والاسلامية. وقد يشطح خيال السذج منهم بحب هذا التناقص لأن فيه خروجاً عن المعهود، وفي الخروج فسحة من الامل في التغيير الذي بات نوعاً من المستحيل، وامام هذا التصحر الاكاديمي الكبير يترامى الضحايا من عامة الناس ممن يبحثون، وربما يلهثون، لإثراء وعيهم العام او الاقتصادي على وجه التحديد. وان نادى خبير، واقعي، بحل هذه الطلاسم وتبسيط هذه المصطلحات الاقتصادية، فإنه سيجابه بذلك الخبير، الاكاديمي، الفذ الذي يرى ان في هذه الواقعية او التبسيط انتهاك لحرمة العلم والعلماء، فالعلم يجب ان يظل ويبقى مرتفعاً عن مثل هذه الممارسات الخاطئة.
تناقص المنفعة الحدية هو قانون طبيعي شُكّل في شكل نظرية اقتصادية منذ نعومة اظافر علم الاقتصاد وربما غيره من العلوم، ويفيد هذا القانون بأن الانسان، بطبيعته او بتكوينه وسجيته، سيكون اقباله شديداً على استهلاك الوحدة الاولى، او القطعة او الجرعة الاولى، من السلعة، ثم يبدأ اقباله عليها بالتناقص لأنه يكون قد اشبع رغبته فيها او حاجته اليها. ولعل مثال ذلك العطشان المتلهف على كأس من الماء، اكبر دليل على منطقية قانون تناقص المنفعة الحدية، فاقباله على الكوب الاول اكبر من إقباله على الثاني والثالث.. وهكذا. وكذلك الحال لكثير من السلع او الرغبات.
ان مسألة العلاقة بين طرفي تلقي المعرفة مسألة ذات اهمية اذا كان لهذه المعرفة ان تنتقل وتستثمر.
وبحكم هذه العلاقة، في اغلب الاحوال، يجب ان ينزل الطرف الملقي الى الطرف المتلقي ليساعده على النهوض معه الى مكانه الاول وليس العكس، كأن ينزل المنقذ الى البحر لينقذ الغريق ويرفعه الى بر الامان الى الاعلى وليس العكس. وهذا التصرف، المنطقي والانساني، يحتاج الى شفافية روح وخلق لا يتحلى بها الا اهل العلم الاصلاء، وهو تصرف ينطوي على فضيلة التواضع والادب. وقديماً فضل الحكماء الادب على العلم، ذلك لأن الأدب فضيلة انسانية تؤدي الى ارتقاء النفس البشرية الى مراتب اعلى في سلم الحياة والعلم. وهي الفضيلة التي نطلبها من الخبراء في علم الاقتصاد وفي غير علم الاقتصاد.
ان فئة الخبراء مطالبة، وبشكل جدي، ان تشارك في مسيرة التوعية الوطنية الشاملة التي نحتاجها في دروب حياتنا اليومية المختلفة، وان تسهم في بناء هذا الوطن الذي ينتظر منا العطاء الصادق بنهج عملي يتجاوز حب الذات. وطلاسم الخبراء لن تحقق هذا المطلب. الم تقل بعض الكلمات لصاحبها دعني؟

(*) رئيس دار الدراسات الاقتصادية/ الرياض

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved