غزت الشركات اليابانية التصور العالمي بمدى نجاحها في تفاني موظفيها. فالعامل الياباني يشعر في مصنعه بأنه متواصل ومتفاعل وجزء لا يتجزأ منه ومصيره الوظيفي يرتبط ارتباطا وثيقا به حاضرا ومستقبلا. تصور مبني على ان العامل يعمل بعيدا عن التسيب الإنتاجي ومضيعة الوقت الثمين. عامل مقتنع بأن الكل في مركب واحد في عرض البحر، اما ان ينجوا جميعا أو لا. ولم تقف عند حد الابتكار عندما دربته على الاساليب المعالجة التي تعطي عائدا أفضل فحسب وانما شاركته مرئياته. اما ما آلت اليه المؤسسات المحلية فإن التصور الذهني لايزال متبايناً وهو موضع نقاش. ولما كان عامل القطاع الخاص «مؤسسات اقل من 20 عاملا» يشكو من تدني راتبه الشهري بالمقارنة مع زميله في القطاع العام الرسمي فإن نتيجة هذه المشاهدات دفعته الى عدم القيام بأداء واجبه على الوجه المطلوب والمتوقع منه. ومن المحتمل ولأسباب كافية ان قصور الاداء والإنتاج مرجعه سمة نفسية مضطربة تقلقه لمستقبله الغامض. وبأجر أقل من 1200 ريال شهريا لا اظنه يرتقي بتطلعاته او يسد حاجاته العائلية الضرورية فيها وصار كارها للمؤسسة التي تأخذ منه اكثر بكثير مما تقابله به من اجر متواضع منتظرا للفرج من حيث لا يحتسب للانتقال الى مؤسسة اخرى لعلها تنصف عطاءه وتقدر مثابرته وولاءه. إلا ان القلق يبقى دفينا في سريرته يظهر بين الحين والآخر ومن ملامحه ما يحس به شخصيا من حزن عندما لا يسمح له بالمشاركة في قرارات المؤسسة او الاستعانة بمرئيات في نموها طالما علم ان اقتراحاته لا تلقى الترحيب والتقدير المشجع.
وترد تلك الاسهامات بالتجاهل والتشكيك في مصداقيته وفوتت المؤسسة على نفسها كلمة الاعجاب والاكبار والانطباعية الحسنة للعامل المجتهد. ويزيد من الطين بلة معرفة العامل بأن مسار المؤسسة يكاد ينصب في مراقبته خلال اوقات الدوام وعلى مدار الساعة تتصيده لأبسط الاخطاء العفوية النادرة فيما يعمد مالك المؤسسة إلى حسابه حسابا عسيرا لهفواته احيانا بالتوبيخ واحيانا بالتذمر. وقد تمتد عمليات التصيد الى فصله عن العمل في اقرب فرصة سانحة عند منحنيات ومؤشرات الضعف والتراجع في تطورها الإنتاجي او في عجزها المالي. واذا ما تراجعت ارباحها فإن اول بند تنساق اليه للتقليص والتخفيض هو بند العمال والاجور.
والتقليص يجري اما بفصل العامل تحت ذرائع الافلاس او تغير نشاطها تحسباً من الجهة الرسمية للحقوق والادعاء. إلا ان تراكم الضغوط النفسية تأخذ دوراً سلبياً مشحونا وحينها يصبح العامل غير قادر على العطاء والابداع. كل ما يبذله في ساعات الدوام يعد عملا روتينيا متكررا لا جديد فيه ناظرا للتقويم الهجري صباح كل يوم بفارغ الصبر لليوم الاخير منه لاستلام مرتبه معللا ذلك بأن ليس له في المؤسسة ناقة ولا جمل. ويبدع في تفكيره لضمان وظيفته المؤقتة في استرضاء رئيسه بطرق ملتوية بعيدة عن الانتاج المنوط به مستبدلا اياها بأمور هي في الحقيقة تنم على تشتت في النوايا والمقاصد ومستعينا بفنون النفاق والوشاية وتقبيل اللحى. ولكن صنائع المعروف تقي مصارع السوء فعلى المؤسسات الصغيرة ان تبدأ بداية موفقة بالتغلب على السلبيات النفسية السالفة إما بالتركيز على تنمية الثقة بها او باطمئنان العامل على مستقبله الوظيفي من خلال حوافز مالية او بزيادة رواتبهم دوريا او بمشاركة العامل في سرائه وضرائه اجتماعيا. فالثقة تزيد من كفاءة العامل وفاعليته في الإنجاز والتطور وطالما شعر العامل بالارتياح النفسي لمستقبله ومستقبل عياله تفرغ قلبا وقالبا في مساعدة المؤسسة في كل ما تحتاجه من تحسن في ادائها الكمي والكيفي محبا لها الخير ومسرورا بحصادها التسويقي. ومع معرفتنا ان المؤسسات الصغيرة همها الاول والاخير هو الربح التجاري إلا انها تصر اصراراً على البقاء على تلك المعدلات من الاجور والرواتب دون تغيير يذكر عاما بعد عام. ولاتزال تتجه تارة الى العمالة الوافدة عند الاستعاضة بالسعوديين ولاتزال تارة متحججة بأن العامل السعودي يصعب رضاؤه مقارنة بالوافد من الجنوب الآسيوي. ولو لا تدخل وزارة العمل في برامجها الطموحة للسعودة وتعميدها للمؤسسات الخاصة بضرورة التنفيذ للوائح الصادرة لبقيت الأجور متدنية على حالها وبقي الأداء متدنيا مثلها. نحسب أن برامج السعودة ضمن توقيت زمني مقبول ربما يكون ملائما لصياغة قرارات جديدة تتوالي معها الاستجابة للتطور وفي تنافس جغرافي اقليمي بدلا من الفصل الوظيفي المتبع.
|