Thursday 26th December,200211046العددالخميس 22 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثلاث رسائل عتب ثلاث رسائل عتب
حول الرواية السعودية الحديثة بين قارئ وناشر وروائي!
د. أحمد جاسم الحسين *

صديقي الروائي..
صديقي الناشر..
سمّيتموني المتلقي فقبلت بالتسمية ثم غيّرتم كيفما شئتم، مرة المستهلك ومرة المرسل اليه، ومرة القارئ.. لا مشكلة عندي لكن من حقي عليكم ان تواصلوا الكتاب إليّ إينما كنت في أصقاع هذا البلد.. أوصيت اصدقائي المسافرين الى الرياض وجدة، وعادوا «بخُفي حنين» و«لم نجد ما طلبت من روايات». لم أنزعج من ارتفاع أسعار الكتب.. أعلم أن سعر الورق والطباعة والتجليد والشحن.. وغير ذلك من الحُجج التي لا تنتهي..
أكتب لكم لثقتي المطلقة بأنكم ستقرؤون خطابي.. فقط ارجوكم ان تواصلوا الكتابة إليّ. غير مهم ان كنت ناقداً أم قارئاً عادياً، ذكراً أم أنثى المهم أنني قارئ متابع يهمه معرفة ما يصدر من كتب في بلده سواء طبعت داخل البلاد أم خارجها.. اقرأ عن صدور رواياتنا في صحف الوطن العربي.. واقرأ عنها مقالات متعددة، وأبذل كل ما استطيع لأحصل عليها.. لا اكتمكم انني أوصيت المسافرين خارج البلاد لجلب ما يجدونه من كتب لمؤلفين من بلدي، ووعدوا، وقالوا «إنهم اوفوا بعهدهم» لكن الرجال الموجودين على الأسوار انزعجوا وقالوا: لماذا لا نقرأ الكتب الداخلية؟ وأعطوهم عنواني ليراسلوا لي ما يروق لهم ولا أزال انتظر..!
أخيراً أوكد لكم أنني لو عرفت عناوينكم لما ترددت بمراسلتكم وطلب نسخة من مؤلفاتكم ممهورة بتوقيعكم، وحين احصل على العناوين انتظروا رسائلي.
صديقي القارئ..
أعلن أن صورتي ليست واضحة في ذهنك تماماً، مرة يتهمونني بأنني تاجر وأخرى بأنني محتال و.... لا أصدق ان قلت: إنني لا أريد ان اربح لأنني في النهاية يجب ان أعيش.. ولكن ماذا أحدثك ومن أين أبدأ؟ أمن الكاتب؟ الذي يعدني بمستحقاتي وحين يطمئن على ان كتابه قد طبع يغيب؟ أأتحدث لك عن كساد الكتب ولهاثي الدائم من معرض لمعرض لعلّي «انفق بضاعتي» أأشكو لك من المكتبات التي لا تقبل بحسم يقل عن نصف الثمن؟
ما رأيك لو تحدثت لك عن خطوات طباعة الكتاب خطوة خطوة منذ اللحظة الأولى لاستلامه، وتحويله الى قراء، ومن ثم الاتفاق مع الكاتب، وصفه، وتصميم غلافه، وتصحيحه، وإخراجه، وطباعته، وتجليده، وتوزيعه.. مراحل شاقة في كل مرحلة ألتقط أنفاسي الضائعة وأكاد أندم على أنني اخترت هذه المهنة.. لا أنفي ان العامل في الحقل الثقافي يعاني أكثر من سواه، وهو يقوم برسالة ثقافية الى جانب حقه في الانتفاع ولكن هذا لا يعني ان أعذب كل هذا العذاب..
حسناً سأفتح لك أقسى الصفحات وهي صفحتي مع الرقابة التي شيبتني فهي متقلبة، وقاسية وحادة، وتأخذ بظاهر الأمور، وكفيلة بإلغاء الكثير من أحلامي.. رزقي معلق بين فكيها، فبإشارة قلم أبيع مئات النسخ وبإشارة أخرى تحرم كتبي من دخول هذا البلد أو ذاك.. وكل هذا جعل مني محتالاً، مرة احضر الكتب بالحقيبة اليدوية، ومرة أغلفها بأغلفة كتب مسموحة، وثالثة أوسط الوساطات، ورابعة أضعها في حقيبة الألبسة، وهكذا..لا أريد ان افصل لك في كل همومي وإلا لحدثتك عن إعراض الصحف عن نشر خبر عن مطبوعاتي، وأجرة البريد، والثمن، وعدم اقتناء المكتبات العامة.. و.....
صديقي القارئ..
طرقتُ أبواب أنديتنا الأدبية كلها، وسمعت كل ما تتخيله من الاعتذارات المعلنة والمبطنة.. لجأت الى دور نشر محلية فاشترطت عليّ ان أحصل على موافقة الطباعة قبل الاتفاق معهم.. احتلت على نفسي ونصي وقريبي لكي انفذ بريشي.. ولكن روح الرواية طالب به الرقيب.. فما كان مني إلا ان استدين سيارة من أحد البنوك وقررت طباعة مخطوطاتي.. وما ان بدأت بالتحاور مع دور النشر في أكثر من عاصمة عربية حتى وجدت نفسي أقع في حبائل التجارة مع أنني ككاتب ينبغي ان أهرب منها.. ولكن حين تجد نفسك مجرداً من كل كتابتك إلا من كونك «مجموعة نقود» متحركة فعليك ان تتحرك وتؤكد لهم أنك قطعت ما ستطبع به روايتك من فم أولادك وسعادتهم..
صديقي القارئ..
ثق لو أنني عرفتُ عنوانك لما تردّدت لحظة واحدة في ارسال كل كتبي اليك إهداء.. فأنا ما تعذبت كل هذا العذاب إلا لتقرأني ولتصل كتبي إليك..
صحيح ليس لدينا اتحاد كتاب ولا وزارة ثقافة لكن لدينا أندية أدبية أرسلت لكل منها عشر نسخ إهداء لأنهم اعتذروا عن الاقتناء لان الميزانية «لا تسمح».. لا إشكال.. المهم ان تقرأني.. أهديتُ كل مكتباتنا العامة وحاولتُ ان اوصل رواياتي الى مكتبات وزارة المعارف لكن رواياتي لا تصلح من «وجهة تربوية» كما قالوا مع أنني أعمل في حقل التدريس منذ أكثر من عشر سنين. أعرف ان كتبي قرئت في الوطن العربي وكتب عنها ولكن ماذا أفعل ها هنا في بلدي.. إذ لم ينشر عنها خبر ولم يكتب عنها مقال، ولم يذكروا اسمي في الموسوعة.. لكن أملي منعقد عليك انت ياصديقي القارئ أنت الوحيد الذي ستنصفني، ولكن ذلك مرهون بوصول رواياتي إليك.. أنت حاول وأنا أحاول ولا بدّ من نتيجة...!

(*) ناقد وقاص
أستاذ الأدب السعودي والنقد الحديث في كلية المعلمين بتبوك

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved