Thursday 26th December,200211046العددالخميس 22 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أعراف أعراف
ينابيع الذاكرة
محمد جبر الحربي

أوليس غريباً أن تكون نقيض من تعجب بهم؟!
عام 77م، وفي الجنوب الانجليزي، تعرفت على عثمان العمير. استوقفني بجنونه، وآرائه الغريبة الجريئة، وحبه للشعر، وللمتنبي بشكل خاص. كان يخطط لحياة جديدة، وصحافة مغايرة، ويحلم بإقامة دائمة في لندن. وكنت أخطط لعودة سريعة، وإقامة دائمة في الرياض وقد استغرب ذلك، وحاول ثنيي، وأبى العنفوان حينذاك.
عام 79م، زرته في مكتبه، في جريدة الجزيرة، في الناصرية، وضعت ملفاً لمحاولات شعرية بريئة، وضعها بدوره بين يدي نسيم الصمادي، بعد ان عرفني عليه قائلا: سننشر منها ما هو قابل للنشر. وبعد ذلك، نشرت تباعا. كان الصمادي متفائلاً بمقدم شاعر جديد، وعبرها، تعرفت على بقية الراكضين ومنهم صالح الأشقر، سعد الدوسري، صالح الصالح، علي الشامي، عبدالله الكويليت.. وغيرهم كثير. وعبرهم تعرفت على عالم آخر هو عبدالله الصيخان، ومعه سعد الحميدين وداود الشريان.
كان فضاء عثمان العمير مغرياً، ورغم التنافس الشديد بين الجزيرة والرياض، تعرفت لديه على أعلام المطبوعتين: فوزان الدبيبي رحمه الله، يوسف الكويليت، محمد الحجلان، محمد أباحسين، سليمان العصيمي، حسين الفراج، محمد التونسي، محمد العوام، إضافة الى عدد كبير، بينهم اثنان أحببتهما، ناصر الغنيم، وشاب مختلف، مُقبل على الحياة والإعلام بقوة، هو العزيز، الدؤوب، المتنقل المرتجل الراحل صالح العزاز رحمه الله، وغفر له، وجزاه أحسن الثواب على أعماله الخيّرة النبيلة الجميلة، الماضية والباقية، إن شاء الله تعالى.
كنت شغوفاً بالشعر والحياة، وهذه العوالم الجديدة، كثير القراءة «أتطور بسرعة مذهلة كما يرى الصمادي والأشقر..»، وكان الجميع فرحين بهذا القادم الجديد، يستمعون إليه، ويطلبونه للقراءة، يشجعونه، ويهدونه النصح والكتب، والأسئلة التي تظل تعصف في الذاكرة!!
كنتُ أعمل في وظيفة ممتعة غريبة «فني علاقات موظفين» في شركة صيانكو، منتسباً لجامعة الملك سعود، عابراً الإعلام، متجهاً للصحافة.
في العمل تعرفت على شاب فلسطيني رائع خلوق هو محمد السقا، عرّفني على السيّاب ودرويش، وسميح القاسم ومجموعة كبيرة من الشعراء الفلسطينيين.
ولكنني تركت «فن العلاقات» ما إن اختارني صالح العزاز لمكتب جريدة اليوم في الرياض، إذ أصبح رئيسا لتحريرها بالإنابة. ومعه تعرفت على نخبة من مثقفي المنطقة الشرقية، وكنت أعرفهم عبر المربد الثقافي للجريدة ومنهم محمد العلي، علي الدميني، محمد الدميني، عبدالعزيز مشري، عبدالرؤوف الغزال الى آخر القائمة. مع العزاز تعرفت على الصحافة من الداخل، على الصحف الخليجية والعربية بشكل أعمق، على ناجي العلي الذي فتح عينيَّ أكثر على جراح الأمة العربية وقضيتها الأهم: القضية الفلسطينية.
سلّمني صالح مفاتيح كثيرة ثم انزوى في غرفة لم يسلمني مفتاحها، وما كان يملكه. فاضطررت لترك جريدة اليوم: دمعة في القلب، وحرقة في العين، وأسئلة مندفعة متلاحقة كمطر الصحراء. لجأت للشعر والأصدقاء، ثم وجدت سلوتي في الروايات الطويلة، لتولستوي، ودوبستوفيسكي، كازا نتزاكس، منيف، جبرا، وترجماته.. وعدت إلى موسيقى موزارت، وشوبان، وتشايكوفيسكي.
أحببت البيانو المنفرد، لأنه يأتي من بعيد، يملأ الفضاء بذكرى الذين أحبهم، دون أن يسرقني من قراءاتي، وكتاباتي، ويضع لي سلالم أصعد بها إلى عوالم لا يعرفها أحد غيري.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved