Thursday 26th December,200211046العددالخميس 22 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بصراحة بصراحة
أطفال.. تحت العبودية والاسترقاق
لبنى وجدي الطحلاوي

عندما نتكلم عن الطفولة، فنحن نتكلم عن كائن ضعيف وبنيان هش يتطلب عناية فائقة، تضمن له النمو السليم جسدياً ومعنوياً، وذلك يفرض أسلوباً إيجابياً ومتوازناً من الرعاية، فالطفولة قيمة مقدسة لا يجوز المساس بها ولا الاستقواء عليها، بل يجب احاطتها بأفضل طرق الرعاية والحماية وتوفير كافة الأساليب المثلى لنمو الأطفال ونضجهم بطريقة ايجابية ومتوازنة، ومرحلة الطفولة هي إحدى أهم المحطات الرئيسية في حياة الانسان ان لم تكن اهم تلك المحطات على الاطلاق، لأن تلك المرحلة هي الأرضية النفسية التي تحدد سيرورة تطور الشخص وتحدد معالم شخصيته وابعاد تلك الشخصية وتطورها مستقبلاً، فإما سوياً وإما غير سوي مستقبلا.
لأن التقويض والانتهاكات الصارخة للمقومات الاساسية التي لابد ان يتمتع بها كل طفل كي ينمو بشكل سوي جسدياً ومعنوياً يقود الى تكوين شخصية مضطربة معقدة تتنازعها تيارات الانحراف والاضطراب النفسي مما يقود الطفل الى الوقوع فريسة المرض النفسي عاجلاً أم آجلاً.
فمع ما يسجل من عنف واعتداءات جسدية على الاطفال من داخل الأسرة وخارجها لا يترك بصماته فقط على اجسادهم الغضة بل يوجه ضربات موجعة الى نفسياتهم مما يترك بصمات يصعب محوها وازالتها مستقبلاً، فتفجر طاقات عدوانية لدى الطفل ويشعر بالدونية وفقدان احترام الذات وشعوره بالقلق والاكتئاب وفقدانه الاحساس بالأمان وفقدان الثقة في الآخرين... والكثير من المشاعر السلبية والمحبطة.
وبالرغم من ان السعودية أقل الدول تسجيلاً لمثل هذه الاعتداءات مقارنة بدول العالم كافة، إلا ان هناك ارتفاعا نسبياً لمعدل الانتحار والجريمة في السنوات الأخيرة، فتوجد لدينا ظاهرة بالفعل جديرة بالتناول والاهتمام وخاصة داخل الأسر بأن يقتل الأب أحد اطفاله او بشكل جماعي او يقتل احد الابناء أمه ذبحاً او خنقاً او ان يقتل والده طعناً او بالسلاح او الاعتداء بالسلاح على جميع من حوله بشكل هستيري من اهل او جيران ووقوع الكثير من القتلى والضحايا، لكن هذا الامر اثار اهتمام الكثيرين من المختصين في المملكة للتعامل معه بشكل ايجابي فلقد اقام مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث في الرياض ندوة يوم 5 و6 فبراير 2002م ضمت مختصين من الولايات المتحدة الامريكية وكندا ومن السعودية، وشددت الندوة على ضرورة الاسراع في انشاء «لجنة وطنية لحماية الاطفال» في السعودية لما يتعرض له البعض منهم من اعتداءات جسدية ونفسية حتى يمكن علاج هذه الظاهرة والحد منها ومتابعة الضحايا، طبياً ونفسياً واجتماعياً، وللتعرف على المشاكل عن قرب والحد منها وتناول الأمر «قانونياً»، نظراً لما سجله المستشفى التخصصي مؤخراً من «40 حالة» اعتداء على الاطفال وأكثر من «70 حالة» سجلتها مستشفيات الرياض بين كسور في العظام نتيجة للضرب المبرح وحروق في الجسد واعتداءات جنسية، واللافت للنظر بل الأسوأ في الأمر ان معظم الاعتداءات حدثت من داخل الأسرة التي يعيش فيها الطفل.
ويبقى سؤال هام يطرح نفسه، إن كان هذا ما يحدث في دولة تعد أقل دول العالم تسجيلا لذلك بالاحصائيات العالمية والرسمية تبعاً لتقارير «منظمة اليونيسيف» فماذا عن الدول الأخرى؟
وإن أردنا إماطة اللثام عن ما يتعرض له الاطفال من عبودية واسترقاق في كثير من دول العالم خاصة العالم النامي ففي الكثير من الدول يتعرض الاطفال الى مخاطر ما يسمى «بعمالة الاطفال» نتيجة الفقر المضجع فيضطر البعض للدفع باطفالهم للشارع من اجل العمل وهم في عمر اقل من السن القانونية لذلك نجد اطفالا يقومون بالعمل منذ عمر «12 سنة» مما يعرضهم لمعايشة اوضاع بالغة الخطورة بدءاً برفع الاحمال الثقيلة والمرهقة، مرورا بتعرضهم لملوثات كيماوية وبيئية، وصولا الى المخاطر المتصلة بالتعامل مع الآلات والماكينات الضخمة، الى جانب المعاملة العنيفة والقاسية التي يعانيها الطفل من ارباب العمل حيث يتفنن بعضهم في تعذيب الاطفال وتوجيه الإساءة اللفظية والجسدية اليهم والتي قد تصل الى الاعتداء الجسدي والجنسي، وهذا ابرز ما يتعرض له الطفل من عنف خارج الأسرة في كثير من الدول العربية وغير العربية التي لا تطبق قوانين صارمة لحماية الطفل داخل الأسرة وفي مجال العمل ولم تحدد اعمار العمالة، فيعيش الاطفال ضحية الظروف القاسية لأسرهم وكأنهم يتوارثون العبودية جيلاً وراء جيل ويجسدون صوراً حية لأعتى أنواع الاسترقاق.
وهناك الكثير من الدول التي يتم فيها استغلال الاطفال وتنتشر بها عمالة الاطفال منذ الاعمار المبكرة للغاية مثل «مصر والمغرب»، والتي يكثر بها ما يسمى ب «أطفال الشوارع».
وتبعا لإحصائيات اليونيسيف، فإن100% من اطفال الشوارع في العالم بات بالفعل الشارع مقراً لسكناهم واعمالهم، وكثير منهم روابطهم بأسرهم قد تقطعت، فيتعرضون لتعاطي المخدرات والادمان، ويتم استقطابهم من قبل عصابات السطو والنشل والسرقة، وشبكات الدعارة المحاطة بأقصى درجات التكتم، فكما اعلنت اليونيسيف مؤخراً هناك أكثر من «800» موقع على شبكة الإنترنت للترويج لدعارة الأطفال، مما يعرضهم للإصابة بأخطر الأمراض الفتاكة مثل الإيدز.
وبالرغم من ان تقديرات «منظمة العمل الدولية» تشير الى ان 56% من الاطفال العاملين في العالم النامي ويقعون بين الفئة العمرية «10-14» سنة من الذكور، إلا ان النشطاء في منظمة اليونيسيف يرون ان الاناث العاملات في نفس الظروف السنية واللاتي يعانين نفس الاستغلال وتحت نفس الفئة العمرية يفوق الذكور، بالرغم من صعوبة الامكانات للحصول على احصائيات دقيقة.
وبالرغم من ان هناك الكثير من الدول العربية والنامية التي صادقت على «الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل» التي انبثقت عن «الأمم المتحدة عام 1989م» والتي تعد من أكثر الاتفاقيات الدولية تغطية لمختلف الجوانب المتعلقة بالطفولة وخاصة المادة رقم «32» من الاتفاقية، التي تنص على ضرورة حماية الطفل من كافة انواع الاستغلال وحمايته من كل ما يضر بصحته ويعوق نماءه الجسماني والعقلي والنفسي والاجتماعي وبشكل سوي وسليم وبالرغم مما تقوم به «منظمة حقوق الطفل»، «واليونيسيف»، و«منظمة العمل الدولية» وما تفرضه على الدول، لا تزال شوارع الكثير من الدول العربية والدول النامية مكتظة بأطفال الشوارع الذين ألقت بهم قسوة الظروف واسرهم للشارع، ليكونوا وقودا لسوق العمالة الذي يجردهم من ابسط حقوقهم الانسانية التي كفلتها الشرائع والقوانين، وليسوا اكثر من ورقة رابحة يستخدمها البعض لخوض المعارك السياسية والانتخابية في بعض الدول والتي تظل حبرا على ورق بعد ذلك.
والوعي العربي بخطورة ظاهرة عمالة الأطفال مازال بائساً وهزيلاً والساحة العربية تكاد تخلو بشكل عام من الدراسات التي تتناسب وحجم المشكلة باستثناء بعض الجهود العربية المتناثرة التي تعاني هشاشة الأرضية المعلوماتية المتوافرة.
وتبقى حقيقة لا جدال فيها، بأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الاطفال ضحايا العنف الأسري، والعبودية والاسترقاق.. وبين ردود الأفعال العدوانية التي تفاجئ المجتمع مستقبلاً، عندما يكبر هؤلاء الضحايا..

فاكس 6066701ـ02 ص.ب 4584 جدة 21421

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved