أحلامنا أشرعة الريح التي نعبر بها جدران الحياة الصلدة ونجتاز بوابات الأمل الى عوالم تسري فيها روح الطموح والتحدي
تقول إحدى صديقاتي العزيزات: عندما كنا صغاراً كانت أحلامنا تمتطي صهوة المستحيل الى غد يختلف احساسنا فيه، فعندما كنت في الصف الثاني الابتدائي كنت أحلم أن أصل الى الصف الخامس أو السادس، كنت أفكر ما هو إحساس طالبات تلك المراحل، وكنت أحسدهن فهن أكثر تجربة وعلما، وأفكر كيف سيكون احساسي في تلك السنة التي سأجلس فيها على مقاعد الصف الخامس؟ وكنت أردد في داخلي دائما: كم هن رائعات طالبات الصف الخامس والسادس، ووصلت، وكان إحساسي المرحلي كما هو لم يتغير، وامتد الحلم الى مقاعد المرحلة المتوسطة، ثم الثانوية، ولأصل الى تلك المراحل واكتشف أن الانسان يعيش مرحلته الراهنة وأنه يدور بدوائر همومه، صادرت أحلامي السديمية وإحساسي بمشاعر الآخرين المرحلية وكأنني محلل نفسي، وبدأت أرسم خطوط الواقع لأحلام تسري فيها روح التحدي والطموح وما بين طموح الأسرة والعمل ومجتمعي نسجت أحلاما واقعية أحاول من خلالها الإمساك بخيوط الضوء لكتابة حكاية فردية تمثل رحلتي في هذه الحياة.
الحلم، والأمل صكوك نحملها عبر تاريخنا الزمني.. يسكنها الانتظار والترقب ومحاولة الإمساك بالحروف المتناثرة لكتابة أسطورة فردية أو جماعية، هذه الأحلام والآمال التي لا نعرف أين يتوارى الشر بكل مدلولاته فيها وأين يسكن الفرح بكل أبجدياته فيها، فالحلم يمثِّل غموض الانتظار والغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
أحلام الهنود الحمر كانت مدمرة لهم وهم ينتظرون فارسهم القادم من الشرق حاملا الاخلاص لهم وشعبهم، تنبأت العرافات ............ طال الانتظار، وعندما وطئت أقدام كولومبس ورفقائه أرضهم استقبلوا استقبال الفاتحين فهو الأمل الموعود وتحول الخلاص الى سجن كبير ضاعت فيه الهوية وتبعثرت فيه أجساد الحالمين.
وكان حلم شركة ناسيت للشفرات في بداية السبعينات من القرن الماضي «غريبا وبعيدا» عن منطق العقل ولكنه يدخل الى أروقة السياسة من أبوابها الخلفية، حلم الشركة كان بأن يحلق كاسترو لحيته الشهيرة أمام عدسات التلفزيون مقابل مليون دولار.
أحلام جالياتنا العربية في المنافي البعيدة هنا وهناك بأطيافها المختلفة.
أحلام متناثرة نجح بعض منها وهناك من لم تتسع تلك البلاد الباردة لحلمه، فهو يظل يبحث في هذه المدن عن وجه الوطن الذي أضاعه وما بين انتمائه وتشتته يظل يبحث عن أمل بعيد.. بعيد ويدور في دوائر اليأس المغلقة ويحلم في النهاية بقبر مجهول وصمت أبدي يمنحه الحياة التي فقدها.
وحلم رندا غازي في روايتها «الحالم بفلسطين» اصطدم بصخور الواقع وقوة اللوبي اليهودي في أوروبا، فهذه الرواية التي ترجمتها الكاتبة الايطالية أنا بورسي للفرنسية لصالح دار فلافاريون، هذا الحلم الذي تحول الى كابوس رغم نجاحه يتعرض لحملة منظمة يقودها «مركز سيمون وريزنتال» بتهمة تشويه الصورة اليهودية والتي ستتحول مستقبلا الى معاداة للسامية رغم سامية رندا.
ومثلما كان حلم بن غوريون الممتد من النيل الى الفرات وحلمه بوأد الشعب الفلسطيني، حيث كانت له مقولة شهيرة اختصر فيها أحلامه كلها: «سيموت كبارهم وينسى صغارهم»، مثلما اختزل الحلم الفلسطيني الذي سكن قلوب المهاجرين والراحلين عبر صحارى الحياة وهم يحملون مفاتيح البيوت وصكوكها ............. توارى الحلم واختزل الى شريط حدودي صغير وخارطة طريق تاهت وتمزقت في ظل إعصار الفوضى الذي اجتاح العالم وأعاد رسم خريطته من جديد.
|