إن نظرة الإسلام للمال تقتضي بأن مايبقى للإنسان من ماله، وأعظم ما يدخره لنفسه هو ما يودعه عند ربه، لقوله تعالى:{مّن ذّا الّذٌي يٍقًرٌضٍ اللّهّ قّرًضْا حّسّنْا فّيٍضّاعٌفّهٍ لّهٍ أّضًعّافْا كّثٌيرّةْ وّاللَّهٍ يّقًبٌضٍ ويّبًسطٍ وّإلّيًهٌ تٍرًجّعٍونّ (245)} [البقرة: 245]
ويعتبر الوقف الخيري بوصفه «صدقة جارية» كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أوسع أبواب الإنفاق، ومن أعظم وسائل الإسلام في نفع الناس، فقد أسهم عبر التاريخ الإسلامي في تمويل الكثير من أبواب الخير التي ساندت الدولة الإسلامية في جميع مجالات الحياة المختلفة، وقد أوقف المسلمون الأوائل أنفسهم وأموالهم في سبيل الله على ما يرون فيه مصلحة المجتمع والنهوض بحضارتهم الإسلامية. والمتأمل لأحوال المجتمعات الإسلامية في العصور الأولى يجد أن الأوقاف كانت تعتبر من الموارد الرئيسية لدعم الاقتصاد الإسلامي، ولم تكن بديلاً عما تقوم به الخزينة العامة للدولة. بل كانت رديفاً لها من خلال مشاركة المواطنين الفاعلة في بناء المجتمع فضلاً عن التقرب إلى المولى عز وجل، وقد أدرك قادة المملكة منذ تأسيسها أهمية الأوقاف العظيمة في المحافظة على المكتسبات الحضارية لدوام نفعها وعطائها الذي لا ينقطع، فأولوا هذه السنة جُلَّ اهتمامهم منذ عهد المؤسس الأول عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه وحتى هذا العهد الزاهر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله الذي شهد طفرة في العناية بالأوقاف الخيرية والنهوض بمشروعاتها وتطويرها بما يحقق الاستثمار الأمثل لها.
وقد جاءت الموافقة الكريمة على تطوير وقف الملك عبدالعزيز للحرم المكي الشريف، امتداداً للعناية الفائقة بالأوقاف الخيرية وإيماناً بأهمية الحفاظ على الإنجازات العظيمة التي شهدتها التوسعة المباركة وأثمرت عن انطلاق واحد من أضخم المشروعات الاستثمارية في خدمة بيت الله المعمور وزواره من الحجاج والمعتمرين.
وقد حظي القرار السامي القاضي بهذا الوقف الخيري الكبير بمباركة جميع فئات وأوساط المجتمع السعودي لما لهذا الوقف من انعكاسات إيجابية يصعب حصرها في هذا المقام ويعود أثرها بالخير الوفير على الحرم المكي الشريف ورواده من ضيوف الرحمن. ومن هذه الانعكاسات أن هذا المشروع الضخم والمتكامل بإذن الله تعالى سوف يكون شاهداً حياً على عظمة الوقف الإسلامي ودافعاً على المضي قدماً في سبيل العمل على إحيائها بإقامة المزيد من الصروح الوقفية لصالح أوجه البر المختلفة، حيث أنه يمثل أنموذجاً علمياً للاستثمار الإسلامي المتميز الذي يعود بالنفع والخير الوفير على الجهة الموقوف عليها ويرقى بالجانب المادي لها. كما أنه يمثل امتداداً للتوسعة المباركة بتهيئته للساحات المحيطة بالمشروع جهة طريق الهجرة من الساحات الغربية للحرم المكي الشريف وحتى قصر كنده للاستفادة منها للصلاة حيث تستوعب هذه المساحة الجديدة من الساحات الداخلية والمصلى الرئيس في المشروع ما يقارب «50» ألف مصل.
ويوفر المشروع أيضاً إضافة كبيرة للطاقة الاستيعابية السكانية بجوار بيت الله الحرام تتمثل في توفير الأعداد الكبيرة من الغرف والاستوديوهات والأجنحة والتي يمكن لها استيعاب أكثر من «21» ألف شخص، بالإضافة إلى انعكاس المشروع على حل مشكلة قلة المواقف حول الحرم بزيادة عددها الحالي الذي لا يتعدى 000 ،2 موقف بما مجموعه 400 ،1 موقف جديد للسيارات والحافلات. وهناك مجمع التسوق ذو الأربعة طوابق الذي سيثري الحركة الاقتصادية في منطقة الحرم، ويسهم هذا المشروع في توفير فرص عمل جديدة للشباب السعودي تصل إلى خمسة آلاف فرصة.
وسوف يمثل العائد الاستثماري للمشروع مع ارتفاع الطلب على الليالي الفندقية في منطقة الحرم الشريف رصيداً ضخماً وثابتاً يعود نفعه على الحفاظ على الخدمات والإنجازات الحضارية التي وفرتها التوسعة المباركة لضيوف الرحمن حتى يؤدوا مناسكهم في يسر وراحة واطمئنان. وإدراكاً من مجموعة ابن لادن السعودية التي سيكون لها شرف تطوير المشروع وتنفيذه لأهميته، فقد وضعته في مقدمة أولوياتها وسوف تجند بمشيئة الله خبراتها التي اكتسبتها في تنفيذ المشروعات الكبرى خاصة مشاريع الحرمين الشريفين والمشاعر حتى يخرج هذا المشروع بالمستوى الحضاري الذي يليق به ويميزه عن كل ما حوله ويتناسب مع أهميته.
ولتحقيق هذا الهدف السامي قامت المجموعة على خلاف المشروعات الأخرى المناظرة له في مكة المكرمة بتخطيط المشروع وتصميمه وفق نتائج الدراسات الميدانية التسويقية التي حددت الاحتياجات الفعلية للحجاج والمعتمرين ومؤسسات وبعثات الحج والعمرة، كما روعي تحقيق التكامل في خدمات المشروع من حيث توفير المساكن والمطاعم والمحلات التجارية ومواقف السيارات والمصليات والخدمات التموينية والمصارف وحتى خدمات الترفيه عن الأطفال مع تأمين أحدث وأرقى الأنظمة المتطورة للخدمات التكميلية كالأمن والسلامة. وانعكست الدراسات أيضاً على تصميم الوحدات السكنية بما يسمح بتعديلها وفقاً لمتطلبات المستثمرين والساكنين، كما تم تصميم «80%» من الوحدات السكنية بحيث تطل على الحرم المكي الشريف ومعظمها يطل على الكعبة المشرفة، وهذه الميزة بالذات لا تتوفر في أي من المشاريع المنافسة الحالية والمستقبلية، وكذلك مراعاة الفصل الكامل بين حركة السيارات والمشاة من خلال إعادة تأهيل الطرق المحيطة، واستحداث طرق مشاة جديدة ضمن مرافق المشروع. إن مشروع تطوير وقف الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين سوف يكون بمشيئة الله معلماً حضارياً وواجهة تشهد على روعة فن العمارة الإسلامية وتشهد على أهمية الأوقاف وحكمة إنشائها وإحياءً لسنة الوقف. أسأل الله الكريم أن يجازي كل من ساهم لإخراج هذا الوقف إلى حيز الوجود بدءاً بالأمر بإيقاف أرض الوقف لصالح الحرمين الشريفين من لدن خادم الحرمين الشريفين وانتهاءً بأقل جهد من عامل ساهم أو سيساهم في بناء هذا المشروع.
(*) عضو مجلس إدارة شركة جوار لإدارة وتسويق العقار المشرفة على إدارة وتسويق مشروع وقف الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين «أبراج البيت» |