Monday 23rd December,200211043العددالأثنين 19 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

لما هو آت لما هو آت
لبيكِ ميمونة!!
خيرية إبراهيم السَّقاف

حين يحمل البريد مشاعر التقدير والمحبة فإنَّ في ذلك ما يؤكِّد ارتباط الكاتب بقرائه، وهذا وحده الامتداد الأجمل، والتواصل الأصدق...
لكن البريد عندما يفاجئك برسائل ترتبطك بزملاء الدراسة والطفولة فإنَّه في تلك اللحظة يتحوَّل إلى القبطان الذي يغوص بسفينته في أعماق بحرك، بحر عمرك ولحظاتك وذكرياتك... وهو بذلك لا يأخذك إلى محطة بل إلى محطات ويقف بك على شاطىء يمدُّ أشرعته كي تحتوي الصور الجميلة، والأصوات القريبة، والمواقف المختلفة... ينبش في كلِّ ما سكن في الذاكرة كي يقربه من مستوى اللَّمس والحضور... ولا يجد المرء نفسه إلاَّ عائداً إلى تلك المواقع وإلى أولئك الأشخاص ويستحضرهم... ولا أحسب أنَّ أحداً لا يتمنى العودة إلى براءة الطفولة وعفويَّة الصِّبا ونقاء النفوس، وصفاء الأذهان، وعذوبة المحبة، والتكوينات الأولى للمشاعر والأفكار وهي تتراصَّ كلبنات البناء، حتى إذا ما عاد لمقارنتها بواقعه شاهد اللوحة وهناك بون شاسع بين ما وما يكون، اختلافات ومفارقات بعضها جميل وأكثرها ممسوخ فيه جمال البدايات وعمقها وعفويِّتها وصفائها...
والبريد خلال الشهر الماضي حمل لي بوصلة القبطان.
أحضر لي صورة امرأة كانت تقدِّم لنا الماء والغذاء، وكلَّ ما نحتاج إليه في المدرسة الابتدائية، تنظف حجرة فصلنا، وتعدُّ لنا السبورة و«الطباشير» كما كنا نقول، تفتح باب المدرسة وتغلقه، وعندما نفقد أشياءنا الصغيرة أو الكبيرة نجدها في اليوم الثاني وعندما ننسى وجباتنا أو قيمتها ولا نستطيع الشراء من «مقصف» المدرسة تبتاع لنا دون أن تنتظر إعادته لها إلاَّ أنَّنا منها عرفنا العطاء، وفهمنا معنى الأمومة من غير أمهاتنا... «ميمونة» تلك المرأة التي كان لنا في وجهها الصباحي كلّ يوم صورة الفجر وهي تبتسم لكلِّ واحدة منا وتنثني تقبِّلها فكأنها كانت ترسم وتنحت في صدورنا وفوق صفحات قلوبنا أبجديات «الحب» الصادق.. كانت «فراشة» المدرسة..
جاءتني رسالة صديقة من صديقات الطفولة تذكِّرني بأيام المدرسة الابتدائية، وبشتائيات الرياض القارصة يوم كنا نتقاذف كريات الثلج بعد أن نجمع ما انبسط منه كالزجاج فوق أرض المدرسة الخضراء، هناك حيث كان وجه «أبلة حصة» وأبلة حصة هي الأميرة حصة بنت سعود بن عبدالعزيز ابنة الملك في تلك الفترة لكنها كانت لنا الاحتواء الكبير الذي نجد فيه كلَّ طموحاتنا التي نحلم بها «المرسم»، والنشاط «الصحفي والمسرحي» و«الرياضة» في حدود «الصحة» المنشودة والنشاط المطلوب والمفهوم الراقي للمدرسة النموذجية.
وميمونة واحدة من حضور حصة بنت سعود التي كانت قد حوَّلت مدرسة «مبرّة الكريمات» إلى مؤسسة لا تقدِّم العلم وحده بل تقدِّم التربية الوجدانية والفكرية.. وعن هذه المدرسة انتشرت العناصر البشرية النسائية التي تضطلع اليوم بمهام التربية والتعليم والأدب والقيادات الإدارية في كلِّ موقع عمل في كافة المجالات... وحصة بنت سعود بن عبدالعزيز لا تكفي أسفار تتضافر على وضعها عنها وعن دورها التربوي كل أولئك النساء اليوم الصغيرات في الأمس طفولة واكتسابا وتربية على يديها كي تفي لها...
لكن «ميمونة» لا تزال تقبع في بيتها الصغير ذاته، بجوار مدرستنا القديمة ذاتها في حي المربع ذاته... تتشنف أُذنيها لرنين هاتفها كي تجد من خلفه سؤالاً عنها، أو طرْق بابها كي تدخل عليها واحدة ممن منحتها ميمونة الحب وهي صغيرة كي تكون بجوارها وهي الآن في عتي العمر وانحسار شمسه...
هذه الرسالة من الصديقة الزميلة تحمل لي لوحات الماضي، ورقم هاتف ميمونة دفعني كي أبحر... وأبحر... ولن أقف عند شاطىء الذكرى... بل: لبيكِ ميمونة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved