الطبيعي أن تكون وفرة الموارد الطبيعية مثل الألماس والزمرد واللازورد والغابات والبترول نعمة من الخالق لأي دولة نامية، ولكن الواقع يقول عكس ذلك تماما، فهذه الموارد تمول الصراعات التي تعيشها دول العالم النامي، وأصبحت هذه الموارد هي السبب والممول الأساسي للاضطرابات المستمرة في الدول الفقيرة، فعلى سبيل المثال تغذي عائدات تصدير الألماس الحروب الأهلية في كل من أنجولا وسيراليون، في حين تساعد عائدات تصدير معدن الكولتان المستخدم في صناعة أجهزة التليفون الخلوي في تمويل الحرب الأهلية في الكونغو.
يقول مايكل رينر كبير الباحثين في معهد مراقبة العالم بواشنطن ان حوالي ربع الحروب الخمسين التي شهدها عام 2001 على مستوى العالم لها بعد مرتبط بالمواردالطبيعية، وفي كل هذه الحروب فإن استغلال هذه الموارد سواء بشكل مشروع أوغير مشروع يساعد بصورة كبيرة في تأجيج هذه الصراعات المسلحة أو يمول استمرارها، وأحيانا تصبح الموارد الطبيعية نقمة وليست نعمة في ظل هذه الحروب التي يروح ضحيتها آلاف الأرواح.
فعلى سبيل المثال قتل ما يتراوح بين مليوني وثلاثة ملايين شخص في جمهورية الكونغو الديموقراطية بعد غزو القوات الأوغندية والرواندية للجمهورية بهدف مساعدة جماعات المتمردين التي تسعى إلى الإطاحة بحكومة لوران كابيلا عام1998، في الوقت نفسه أرسلت أنجولا وتشاد وزيمبابوي وناميبيا قواتها لدعم كابيلا.
ايقاف الصراعات
يقول بول كولي رئيس قسم الأبحاث في البنك الدولي بواشنطن انهم سيحاولون معرفة ما الذي يمكن عمله، ومن المتوقع أن تشهد الشهور القادمة سلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى بحث سبل وقف الصراعات حول الموارد الطبيعية في الدول الفقيرة مع إصدار توصيات إلى قمة مجموعة الدول الثماني الكبرى المقرر عقدها في يونيو القادم، وقد حل السلب والنهب محل الخلافات الجيوسياسية كسبب للحروب كما كان الحال أثناء الحرب الباردة، ففي تلك الأثناء كانت الحروب في إفريقيا وغيرها من قارات العالم نتيجة للصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقا، ولكن هذا الدفاع تلاشى مع انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم، وقد حل محل العناصر السياسية الرغبة في السيطرة على الموارد الطبيعية كسبب للصراعات، وقد كتب الباحث رينر في دراسة له أنه في بعض الأماكن تسمح عمليات نهب البترول أوالمعادن أوالأملاح المعدنية أو الغابات في استمرار الحروب التي اشتعلت لأسباب أخرى غير السيطرة على الموارد، وهذه الأسباب غالبا ما تكون أسبابا أيديولوجية أو بسبب الظلم ثم تستمر بفضل تدخل القوى الكبرى أو غيرها من القوى الخارجية المساندة لأطراف الصراع.
كما كشفت دراسة أكاديمية مؤخرا أن الصراعات في الدول الفقيرة ذات الموارد المعدنية الغزيرة تستمر لفترات أطول من تلك الصراعات التي كانت تشتعل في أثناء الحرب الباردة، ومن المحتمل مع وصول عدد سكان العالم عام 2050 إلى تسعة مليارات نسمة تقريبا بدلا من 6,1 مليارات نسمة أن يؤدي الطلب على الموارد الطبيعية إلى إشعال المزيد من الحروب حول هذه الموارد، ويحذر مايكل كلاري استاذ دراسات السلام والأمن الدولي في كلية هامبشير بولاية ماساشوتس الأمريكية من أن الموارد التي تعتمد عليها الدول نادرة وستصبح أكثر ندرة، ويتوقع كلاري أن تصبح مهمة الجيوش الأساسية في المستقبل هي تأمين هذه الموارد، كما أن التغيرات المناخية يمكن أن تلعب دورا مهما في نقص الموارد خصوصا المياه، وبالفعل يشهد العالم حاليا الكثير من النزاعات بشأن المياه وإن لم تصل بعد إلى حد الاقتتال الفعلي، ولكن إسرائيل هددت بالتحرك ضد لبنان إذا ما أوقف تدفق مياه نهر الأردن إلى الدولة العبرية، كما أن مصر تهدد السودان وإثيوبيا بأنها ستنسف إي سد يتم إقامته على مجرى نهر النيل.
وعلى الصعيد الأمريكي فإن تأمين تدفق البترول يمثل أحد أولويات أجندة الولايات المتحدة الأمريكية، فالبترول هو أحد الموارد الطبيعية التي تتسم بالندرةعلى المدى الطويل على الأقل، ويعتقد البعض أن البترول يلعب دورا رئيسيا في تهديد إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بتغيير نظام الحكم في العراق بالحرب إذا لم يخضع هذا النظام لعمليات نزع أسلحة الدمار الشامل لديه.يقول الدكتور كلاري صاحب كتاب«حروب الموارد : أفاق جديدة للصراع العالمي» ان الحرب القادمة هي في جزء منها حرب على الموارد الطبيعية كما أنها حرب من أجل توازن القوى في الشرق الأوسط.
البحث عن الحلول
ولكي يتم منع أو وقف مثل تلك الحروب التي تشتعل من أجل الموارد أو تستمر بفضلها، هناك عدد من الحلول التي يمكن تطبيقها أو البحث عن حلول أخرى، يقول رئيس قسم الأبحاث في البنك الدولي بول كولي انه من بين هذه الحلول إصدار شهادة منشأ للألماس في محاولة لوقف مبيعات«الألماس الدموي» الذي تستخدم عائداته في تمويل الحروب الأهلية، وهو ذلك الألماس القادم من مناطق الصراع مثل سيراليون وأنجولا، ويرى المسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أن بعض أموال تجارة الألماس غير المشروعة تستخدم في تمويل أنشطة تنظيم القاعدة، وهناك مبادرة تطالب الشركات العالمية المتعددة الجنسية التي تستثمر في هذه الدول النامية بالكشف عن الأموال التي تدفعها لأنظمة الحكم بهذه الدول مقابل الوصول إلى هذه الموارد، وهذه المبالغ غير معروفة حتى الآن وهو ما يساعد القادة في هذه الدول النامية في عدم إنفاق هذه العائدات على مشروعات التنمية والبناء في هذه الدول المنكوبة وتحويلها إلى البنوك الأوروبية وشراء القصور على شواطئ أوروبا.
استغلال الموارد الطبيعية
تقوم جمعية«جلوبال ويتنس» البريطانية للدفاع عن حقوق الإنسان بعمل تحقيق عن استغلال الموارد الطبيعية في كل من أنجولا وكامبوديا وليبريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتطالب هذه الجمعية الشركات العالمية بضرورة الإعلان عما تدفعه من أجل الحصول على موارد تلك الدول، وقد فعلت ذلك بالفعل شركة البترول البريطانية «بريتش بتروليوم» مع أنجولا العام الماضي، ولكن هناك أكثر من ثلاثين شركة بترول تعمل في تلك الدولة على وجه التحديد ولم تكشف عما دفعته للحكومة الأنجولية مقابل استغلال موارد البترول في الدولة وذلك بعد اعتراض الحكومة الأنجولية على هذه الخطوة.
وفي الصيف الماضي اقترح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قواعد للشفافية مثل تلك القواعد بالنسبة لعمل الشركات وذلك في مؤتمر تابع للأمم المتحدة بمدينة جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، ومن المنتظر أن يتم بحث هذه الفكرة في ورشة العمل التي يعتزم البنك الدولي عقدها مع مطلع العام الجديد، ومن بين هذه المقترحات شطب اسم الشركة التي ترفض الكشف عما تدفعه من ضرائب ورسوم وغيرها من المدفوعات لحكومات الدول الفقيرة مقابل استغلال موارد هذه الدول، و شطبها من البورصات المالية.
ويرى رينر أن مثل هذه الخطوة سوف تساعد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تنظم حملات ضد الشركات العالمية التي تستغل موارد الدول الفقيرة، وهذه الحملات التي تتضمن إصدار قوائم «العار» بأسماء هذه الشركات التي تتورط في ممارسات غير أخلاقية لاستغلال هذه الموارد، ومن بين المقترحات أيضا فرض عقوبات أو حظر المخالفين، وإصدار شهادة منشأ للمعادن أو إقامة دعاوى قضائية. الهدف الثاني من محاولة السيطرة على تدفق عائدات تجارة الموارد واستغلالها في الدول التي تخوض حروب أهلية هو محاولة الحد من تدفق الأسلحة إليها.وهنا يأتي جانب الجزرة من استراتيجية العصا والجزرة التي تستخدمها الدول الكبرى مع الدول الفقيرة، حيث يمكن للدول الكبرى أن تساعد هذه الدول في اجتذاب الشركات ذات السمعة الطيبة للاستثمار فيها إذا قررت هذه الدول العمل بصورة أخلاقية، ويمكن أن يتضمن ذلك توفير تغطية تأمينية لتلك الشركات عن المخاطر قصيرة المدى التي يمكن ان ينطوي عليها الاستثمار في مناطق التوتر.
(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ «الجزيرة» |