Monday 23rd December,200211043العددالأثنين 19 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

صيامنا والاتجاه المعاكس صيامنا والاتجاه المعاكس
د. سهام العيسى

يقبل رمضان فيستقبله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بمشاعر فياضة لا يشاركه فيها شهر آخر من شهور السنة، يقبل رمضان ويستشعر اهل القرآن عظمته وتتزين المساجد لعمارها من اهل قيام الليل والمعتكفين وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، يقبل رمضان ومعظمنا يسعى لمد الجسور واعادة بناء علاقته مع ربه التواب الغفار الرحيم.
قديما كان رمضان قاعدة الانطلاق الليلي والسهر المباح فالديوانيات كانت مركز اجتماع الاهل والاصدقاء بعد صلاة التراويح، اما في عصر الانفتاح الاجتماعي فقد تعددت المظاهر الدخيلة على المجتمعات العربية مثل ظاهرة الخيم الرمضانية، لا اعني الخيم التي يقيمها المواطنون وتتفق مع الديوانيات في اهدافها ولكن اعني الخيم التي دخلت الفنادق والسفارات الاجنبية كمنافس قوي لتوفيرها خدمات من خمس نجوم من جلسات مريحة ومختلطة ودعوة مطربين شعبيين لاحياء الليالي الرمضانية، وما بين مدرسة الصوم الحقيقية وبين مدرسة الصيام القسري بالنهار واللهو الليلي نكتشف ان هناك مساحة شاسعة بينهما وان صيامنا بدأ يسير بالاتجاه المعاكس فبدلا من ان يكون لشهر الصوم دوره في تهذيب النفس وتنمية عوامل الضبط على القيم السلوكية والعادات الحسنة تلاشى كل هذا في ظل هذا العبث الرمضاني.
ظاهرة اخرى بدأت تتفشى وتتنامى كالنبتة الشيطانية في مجتمعاتنا العربية عموما وهي تجمد المشاهد العربي امام الشاشة الصغيرة، حيث ان المشاهد في هذا الشهر يتلقى جرعات مكثفة ومنوعة من برامج تصنف بأنها مسلية تمارس فلسفة الضحك على الآخرين، ومسابقات، ومسلسلات اجتماعية وسياسية وتاريخية، جرعة تخديرية عالية لا موسم لها سوى هذا الشهر الكريم، فمنذ سنوات والفضائيات العربية تتنافس على استقطاب مشاهديها خلال هذا الشهر الكريم، وكأن الهدف الأساسي لهذه الفضائيات هو هذا الشهر وان دورها ينتهي بنهايته لدرجة ان بعض الأعمال يبدأ التخطيط لها بعد نهاية شهر رمضان مباشرة، أما الاعمال التي لم يكتمل تصويرها قبل رمضان فانها تؤجل الى رمضان القادم مثل مسلسل «آخر الفرسان» لنجدت أنزو.
وفي مقالة نشرتها جريدة الوطن عدَّ المفكر العربي الدكتور محمد الرميحي ان الشعوب التي تفقد رسالتها تستعمل وسائل الاعلام الحديثة استعمالا مضرا «خلافا» لما صنعت من اجله قال فيها: «يساعد التلفزيون العربي إلا فيما ندر، على تأكيد تغييب الوعي لدى المواطن العربي، وهو عمل ينشط اكثر ما ينشط في رمضان لذا فإن للفساد ألواناً، وان كان له اميرة فهي الشاشة الصغيرة ومن خلفها الجهل بالرسالة التنموية المطلوبة، واذا صح القول ان الحب هو صداقة مخلوطة بالموسيقى، فإن الرسالة التلفزيونية العربية في معظمها هي تغييب الوعي بألوان ملونة وباهرة».
وما بين أميرة عابدين، وأين قلبي، وفارس بلا جواد، وأهل الكهف، وصادوه، وغيرها من الأعمال التلفزيونية يمضي رمضان في احتفالية عبثية لإضاعة الوقت واقصاء لروحانية هذا الشهر الكريم.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved