نشرت «الاقتصادية» في عددها الصادر بتاريخ 4/10/1423ه الموافق 8/12/2002م نبأ مثيراً بعنوان «احباط تهريب متخلفين إلى الرياض بعباءات نسائية»، وأشار النبأ إلى ان سلطة الجوازات في منطقة مكة المكرمة ألقت القبض في طريق مكة جدة، وتحديداً في منطقة الشميسي، على مواطن كان يحاول تهريب ثلاثة معتمرين إلى الرياض بألبسة نسائية، وعند سؤال المواطن المهرِّب عن «مرافقيه» ادعى «انهن» زوجته وابنتاه، ولما انفضح أمرهم اعترف المواطن المهرِّب انه كان ينوي «نقلهم» إلى الرياض مقابل 1200 ريال للشخص الواحد!
***
وحدث كهذا يؤكد مجدداً أمرين مهمين وملحين أيضاً:
أحدهما: ان الفقر أولا، والطمع ثانياً، يحرضان المرء أحياناً على الانحراف افراطاً وتفريطاً، حتى لو أدى ذلك إلى ارتكاب حماقات لا تحمد لها عقبى، ديناً ووطنا ًوشرفا!
وثانيهما: انه مهما سنت الدولة رعاها الله من قواعد وروادع وتعليمات لتقنين وتنظيم وجود الوافد إلى بلادنا، فسيبقى أمر هذا الوافد هاجساً مقلقاً للجميع، مواطنين ومسؤولين، لعدة أسباب، من أهمها:
1 ان المملكة هي قبلة العالم الإسلامي، يؤمها ملايين المسلمين كل عام عبر المواسم الدينية، حجا وعمرة وزيارة، والمشكلة هنا ان يُسر وسائل النقل الحديث، وازدياد حجم الاستيعاب في المشاعر المقدسة بفعل مشروعات التوسعة والتطوير الضخمة التي نفذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين أيدها الله وتنامي الشعور الديني في كثير من الديار الإسلامية.. كلُّ ذلك حوّل معظم أشهر السنة إلى مواسم دينية، بدءاً من شهر صفر، وانتهاء بشهر رمضان المبارك، ثم تحل فترة الحج بدءاً من منتصف شوال تقريباً لمن يريد ان يقرن الحج بالعمرة تمتعاً، وتستمر مظاهر الحج وتداعياته حتى قرب نهاية محرم تقريباً، قبل ان يطل موسم العمرة من جديد!
***
ثانياً: ما دام الأمر كذلك، فستبقى المواسم الروحية سبباً قوياً لقدوم الملايين من البشر سنويا إلى بلادنا، ولو كان الغرض من قدومهم قاصراً على أداء الشعيرة الدينية فحسب، ثم يعودون من حيث أتوا، لهان الأمر كثيراً، لكن بعضهم «يقرر» البقاء في البلاد لسبب أو لآخر، وخاصة الفئات المنتمية إلى مجتمعات فقيرة، حيث يأتي أحدهم إلى المملكة تسيُّره الرغبة في ادراك الحسنيين: أداء الشعيرة الدينية و«طلب الرزق»، اقتداء بما تواتر في مجتمعه من أن لدى المملكة وشعبها سيولةً ماليةً ضخمةً، وفرصاً وظيفيةً أكثر وفرة مما في سواها من البلدان! ولذا يُقدم أحدهم على التماس الحيل، ما ظهر منها وما بطن، وصولاً إلى تلك الغاية!.
***
إن أي حل في تقديري المتواضع للتعامل مع سلبيات هذه الظاهرة لابد ان يقترن بالتالي:
1 دقة القواعد وملاءمتها للتطبيق، والحزم في تطبيقها دون استثناء.
2 وجود قدر كبير من التنسيق الوثيق بين جهات الاختصاص المعنية بهذا الموضوع مع ضرورة حصر تلك الجهات، منعاً لنشوء ازدواجية في الإجراء.. أو تنازع في الاختصاص.. أو تضارب في النتائج.
3 محاسبة المقصر أو المخالف في تطبيقها، جهة أو أفراداً، محاسبة رادعة وعادلة وعاجلة!
4 اخضاع القواعد للمراجعة والتقويم دورياً لمعرفة مدى ملاءمتها وفاعليتها نصاً وتطبيقاً.
***
يأتي بعد ذلك دور المواطن في التعامل مع هذه الظاهرة الإنسانية الشاقة، وهو متمم لجهود الدولة في هذا السبيل، ودون المواطن، سيكون العمل لاحتواء هذه الظاهرة وسلبياتها مبتوراً، فالمواطن الذي يتستر على متخلف.. ايواءً أو نقلاً أو توظيفاً او ابتزازاً، فهو «متخلف» ديناً وذمة وخلقاً، لأنه يُعسر ولا ييسر جهود الدولة في ملاحقة المتخلف.. ولأنه يؤذي نفسه أيضاً.. بتعريضها للملاحقة والمساءلة والعقاب.. ولأنه يؤذي الوطن.. بمحاولته إلحاق الهزيمة بإجراء سُنّ في الأصل لحفظ مصلحة الوطن.. وكرامة المواطن ورزقه!
***
ولذا، ينبغي ان يكون لكفة المواطن في معادلة «مكافحة التخلف» حضور دائم.. متمم لجهود الدولة.. وان يكون التعامل معها ذا شقين:
أ شقّ توعوي.. تتقاسمه أوعية المساجد والإعلام.. مسموعة ومقروءةً ومرئيةً، لمن يستجيب للكلم الطيب ويحترم فروض الولاء للوطن وسننه.. والانتماء إليه.
ب شقٌّ ردعي.. لمن لا يستجيب من ضعاف النفوس إلا بالقوة، ويتنكر للحياء من الله ثم من وطنه ونفسه!.
|