Saturday 21st December,200211041العددالسبت 17 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

تقلبات الأسواق المالية تقلبات الأسواق المالية
الدكتور/ لويس حبيقة*

تميزت الأسواق المالية العالمية مؤخراً بتقلباتها الحادة بتوقيتها وحجمها وامتدادها الجغرافي والقطاعي. فمنذ شهر/ آذار 2002 وحتى أيلول الماضي، انخفضت مؤشرات أسعار الأسهم بنسب كبيرة قدرت بـ21% في الولايات المتحدة، 27% في أوروبا، 16% في اليابان و22% في بريطانيا. ومن الطبيعي ان تختلف هذه الأرقام تبعاً للفترةالمدروسة، ولكنها تدل جميعها على الاتجاهات السلبية نفسها. أما إذا قسمنا الأسهم الى تكنولوجيا وغير تكنولوجيا، فتختلف الأرقام نظرا للكارثة التي أصابت قطاعات التكنولوجيا بدءاً من شهر نيسان 2000. وهكذا انخفض مؤشر أسعار أسهم شركات التكنولوجيا في الفترة نفسها بنسبة 34% في أمريكا، 40% في أوروبا، 25% في اليابان و32% في بريطانيا. أما إذا حسبنا نسبة الانخفاض بين شهري نيسان 2000 ونيسان 2002، فتظهر بصورة أوضح لقطاع التكنولوجيا إذ تساوي 63% في أمريكا، 64% في أوروبا، 63% في اليابان و69% في بريطانيا. انخفاض أسعار الأسهم يؤثر على الاقتصاد الحقيقي في اتجاهات ثلاثة وهي أولا زيادة كلفة الاستدانة للمواطنين عند شراء المنازل والسلع المنزلية لأن قيمة الضمانات تضعف وبالتالي تزيد المخاطر. ثانيا زيادة كلفة الاقتراض للشركات وبالتالي تخف الاستثمارات ويضعف النمو، وتؤثر ثالثا سلبا على ثروة الأفراد وبالتالي على استهلاكهم. ولا شك ان تأثير سقوط الأسهم على الاقتصاد يتوقف على مدى عمق الأسواق المالية، بحيث أن الأسواق المتطورة تتأثر أكثر به.أما الاقتصاديات التي تعتمد على الاقراض المصرفي وليس فيها أسواق مالية متطورة، فتأثرها يبقى محدوداً.
استمرار انخفاض الأسواق العالمية منذ ما قبل حادثة 11/9/2001م يدعو للقلق ويبشر بإمكانية حصول انكماش في الاقتصاد الأمريكي وربما الدولي. فهذا يتوقف أيضاً على تطور أسعار الأصول الأخرى كالمنازل التي تحسنت جداً في بريطانيا وبعض الدول الأوروبية الصغرى وبنسب أقل في الولايات المتحدة وفرنسا ولكن مع انخفاض في كل من اليابان وألمانيا. كما يتوقف الأمر على ما يحصل لأسعار الصرف وللفوائد الطويلة الأمد والتي تسير في اتجاه مناسب للاقتصاد الأمريكي. في كل حال ان الانكماش أو تدني الأسعار هو عكس التضخم ولكنه أكثر ضرراً. فهذا ما تقع فيه اليابان حاليا وتسعى أمريكا جاهدة للابتعاد عنه. فإذا كان التضخم يأكل مع الوقت من قيمة الدين العام، فالانكماش يزيد من قيمته الحقيقية ويخفض من قيمة الأصول التي تحميه. فالانكماش يسبب الفقر والخروج منه أصعب بكثير من الخروج من التضخم. من الركائز الأساسية التي يبني عليها الديموقراطيون معارضتهم للرئيس بوش اتهامهم له بالاهتمام بالعراق أكثر من الحالة الاقتصادية الأمريكية المتردية. والمعلوم ان والده خسر الانتخابات الرئاسية سنة 1992م، بعد حرب الخليج، بسبب الاقتصاد المتردي حينذاك.
فما هي الأسباب الرئيسية لتقلبات الأسواق المالية العالمية ولامتدادها الجغرافي والزمني والقطاعي؟ وهل يمكن التخلص منها والعودة الى الاستقرار؟ وكيف ومتى يمكن ان يحصل ذلك؟ نلخص أسباب التقلبات كما يلي:
أولاً: ضعف ثقة المستثمر بواقع ومستقبل الاقتصاد الدولي منذ ما حصل لأسواق التكنولوجيا. ولا أحد ينكر الانعكاسات النفسية والسياسية لحادثة 11/9/2001م وللتوتر في منطقة الشرق الأوسط على شعور المستثمر وتوجهاته. فالمستثمر يفضل اليوم ابقاء ثروته في النقد أي في الودائع المصرفية وفي الأدوات الأقل خطورة كسندات الخزينة عوض الاستثمار المباشر أو التوظيف في الأسواق المالية.
ثانياً: زيادة المخاطر في الأسواق المالية بسبب تصرفات الشركات الاستثمارية والأخلاقية والتي تدفع المستثمرين لطلب عائد أعلى على استثماراتهم، مما يقلل من الخيارات المتوافرة أمامهم. فالفضائح الأخلاقية فاقت كل التصور ولم يحلم منتجو الأفلام السينمائية بإخراج مسلسلات أكثر اثارة. كما ان الاستثمارات أو المغامرات التي قامت بها الشركات تسببت اليوم بطرد ألوف العمال في كل الدول. ولا ننسى ان العديد من الشركات يغير اليوم أعلى إدارييه عقاباً على الأعمال التي قاموا بها مستغلين ثقة المستثمر.
ثالثاً: عجز ميزان الحساب الجاري الأمريكي وامكانية تمويله في الظروف الدولية الحالية. فالمعروف ان 70% من الادخار العالمي الصافي «أي 400 مليار دولار سنة 2001» كان يذهب الى الولايات المتحدة لتمويل الفارق في الحساب الجاري، وذلك بسبب الثقة التي توحيها للمستثمرين. أما اليوم، فالأجواء تغيرت مما يدفع بالمستثمرين الدوليين الى الهروب من الأصول المقيمة بالدولار والى التخلي عن العملة الأمريكية أي فرض هبوطها كما حصل في الأشهر الماضية. ولا ننكر التأثير السلبي الذي سيحدثه عاجلا التدقيق المكثف على المسافرين الى أمريكا والمطبق منذ أسابيع قليلة، والذي سيخفف ليس فقط من عدد الزائرين العرب وإنما من القادمين من كل الجنسيات.
ارتبط الاقتصاد الدولي منذ عقود باقتصاد أمريكي قوي، وهو بحاجة لمزيد من الوقت للتأقلم مع اقتصاد أمريكي أضعف في غياب البديل. ليس هنالك ما يضمن عدم انحدار الأسواق أكثر، إلا أن هنالك بعض الحسابات المقدمة من متخصصين جديين في الأسواق المالية والتي تتوقع هبوط الأسهم بنسبة الثلث أي الوصول الى مؤشر DJ في حدود الـ5000. فهذا يعادل في رأيهم القيمة الحقيقية الحالية للأسهم ويعتبر استمرارا للماضي بعد التقلبات الكبيرة ا يجابا وسلبا والتي حصلت في السنوات الماضية. اتجاه الأسواق المستقبلي يعتمد على كيفية تصرف المستثمرين الأفراد والمؤسساتيين والذين سيقررونه. فإذا قرروا الشراء أو التصرف باندفاع وتفاؤل وثقة، ارتفعت السوق وإلا سيحصل العكس. ولا شك ان بإمكان الشركات مساعدتهم على تغيير الأجواء عبر اعطائهم المعلومات الصحيحة والتخلص من بؤر الفساد داخلها، كما بتغطية الخسائر الكبرى الناتجة عن العمليات العادية أو القسرية. نذكر هنا مثلا ان خسائر قطاع التأمين في الولايات المتحدة، نتيجة حادثة 11/9/2001م، بلغت 2 ،40 مليار دولار. والجميع يعرف أيضاً الضرر الذي لحق بقطاع النقل الجوي الذي يعاني من خسائر كبرى ويقوم بصرف آلاف العمال.
عودة الصحة الى الأسواق المالية العالمية تعتمد أولا على بناء ثقة المستثمرين وثانياً على عدم امتداد الأمراض الحالية الى بقية الدول الصناعية والناشئة. كما تعتمد ثالثاً على تقوية أجهزة الرقابة التي يجب ان تبين وتعالج الأزمات قبل حصولها. فكيف تمكنت كل هذه الشركات العالمية من اخفاء الأرقام الصحيحة وتزويرها لسنوات طويلة دون معاقبة؟ فلما هذا الاهمال في الرقابة ومن المسؤول عنها؟. من ناحية الأولى، ليس هنالك أي مؤشر جدي يدل على عودة ثقة المستثمرين، بل تدل الوقائع على زيادة مخاوفهم من المستقبل أي على طلبهم عائد مرتفع على استثماراتهم. أما انتقال الأوضاع الصعبة الى الأسواق الناشئة، فيظهر أنها تحصل والمثال الأفضل عليه هو الحالة البرازيلية الحالية والانفجار الاقتصادي المتوقع. فما تقدم مرشح اليسار «لولا» في الجولة الانتخابية الرئاسية الأولى واحتمال فوزه في الثانية في 17/10 إلا دليل واضح على استياء البرازيليين من الأوضاع الاقتصادية وتشاؤمهم بشأنها. والذي يدعو للعجب هو عدم اهتمام الولايات المتحدة كالماضي بإمكانية فوز مرشح يساري في دولة كبرى مجاورة لها، وكأنها فقدت هي أيضاً ثقتها بالحزب الحاكم الحالي وترغب بالتغيير. أما أجهزة الرقابة الوطنية والدولية، فلا بد أنها تعي اليوم خطورة الوضع الحالي وامكانية امتداده الى باقي دول العالم، بل تعي امكانية تكراره مستقبلا في ظروف أصعب مع نتائج أقسى.
وأخيراً لابد من ان تستمر الدول الصناعية والناشئة في تثبيت الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي داخلها مهما كانت الظروف.

* بيروت ص.ب 6848 - 11
www.louishobeika.com

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved