Saturday 21st December,200211041العددالسبت 17 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ماذا بعد التقرير العراقي حرب أم ترويض؟!! ماذا بعد التقرير العراقي حرب أم ترويض؟!!
د. حميد عبدالله (*)

ادخل التقرير الذي سلمته بغداد الى المفتشين يوم السابع من كانون الاول «ديسمبر» الجاري والمتضمن كشفا موسعا عن برامج التسلح العراقي منذ عقد السبعينات من القرن الماضي وحتى الآن.. ادخل الأزمة العراقية في منعطف حاد، ذلك لأنه يحمل بين صفحاته وسطوره احتمالي شن الحرب او ارجائها.
وبرغم ان هانز بليكس يرى ضرورة ان تعكف «الانموفيك» على دراسة الكشف العراقي دراسة دقيقة ومعمقة بهدف وضع اليد على الحقيقة قبل عرضها على مجلس الأمن للبت فيها، فان لواشنطن «رؤيتها» الخاصة لما تضمنه التقرير العراقي، وسيترتب على هذه الرؤية احتمالان:
الاحتمال الاول هو ان تتعامل واشنطن مع المعلومات العراقية بعين الريبة والتشكيك،وتصدر حكمها على التقرير بانه نوع من التضليل والمخادعة بما يشكل انتهاكا للقرار 1441، خاصة وان هامش الاجتهاد في تقرير يبلغ عدد صفحاته اكثر من ثلاثة عشر الف صفحة هامشا واسعا، وبالتالي فان التقرير سيكون هو الذريعة الامريكية المرتقبة التي ستفجرها واشنطن للاقدام على تنفيذ خطتها بغزو العراق.
وبطبيعة الحال فان المدة الزمنية بين اتخاذ التقرير كذريعة، والبدء بشن الحرب، وما يتطلبه ذلك من تحشيد سياسي، او حتى انتزاع موافقة من مجلس الامن يحتاج الى عدة اسابيع تهيئ الولايات المتحدة خلالها اجواء الحرب وتستكمل مستلزماتها التقنية واللوجستية لتكون جاهزة في منتصف او نهاية كانون الثاني «يناير» القادم.
ويرجح مراقبون ومحللون وسياسيون في بغداد هذا الاحتمال، ويذهب بعضهم الى ان التقرير سيكشف عن نوايا واشنطن الحقيقية وعن عزمها على شن الحرب من عدمه، ويرون ان الادارة الامريكية اذا كانت قد وضعت خططا وسيناريوهات لغزو العراق خلال هذا الشتاء فان اغتنام التقرير كذريعة لهذا الغزو سيأتي منسجما مع حيث التوقيت مع تلك الخطط.
اما الاحتمال الثاني فهو ان تكتفي واشنطن بالتشكيك بمعلومات التقرير العراقي، وفي ضوء ذلك ستدفع باتجاه تكثيف وتوسيع عمليات التفتيش، وزيادة عدد المفتشين، ومنحهم صلاحيات وسلطات اوسع، و الاستفادة من المعلومات الواردة في التقرير لإجراء مسح شامل للمواقع المراد تفتيشها، بما يرجئ وقوع الحرب الى بداية شهر آذار، خاصة وان كولن باول قد قال في وقت سابق من هذا الشهر «إذا كان الشتاء مناسبا لجنودنا في اية حرب نشنها ضد العراق فان الصيف لن يكون معوقا امام خططنا»، في اشارة صريحة الى ان وقوع الحرب في الربيع لن يكون مستبعداً.
لكن المسؤولين العراقيين لا يستبعدون ان تلجأ «الانموفيك» بدفع ومساعدة جهاز المخابرات الامريكية (CIA) الى تزوير وثائق بما يجعلها تثبت وجود اسلحة دمار شامل في العراق، وكان الفريق عامر محمد رشيد وزير النفط العراقي قد اشار الى ان لجنة «اليونسكوم» قد زورت وثيقة عراقية زعمت بموجبها وجود نشاط عراقي لصنع اسلحة كيماوية في احدى الشركات الصناعية، وقد احتاجت الجهات العراقية لكي تدحض هذه الوثيقة وتثبت زيفها الى ستة اشهر من العمل المتواصل، وكانت تلك الوثيقة واحدة من بين اكثر من مليون ونصف المليون صفحة من الوثائق المعلومات التي قدمها العراق للجنة الخاصة «اليونسكوم».
مصادر الرقابة الوطنية العراقية افادت ان العراق وبتوجيه من اعلى القيادات قد حرص ان يكون تقريره المقدم الى مجلس الامن على مستوى عال من الدقة والشمولية والوضوح والاحاطة بكل حيثيات برامج التسلح، والاجابة على جميع الاسئلة التي يمكن ان تثار خلال قراءة ذلك التقرير، لان الحكومة العراقية ترى انها تخوض حربا دبلوماسية شرسة، ومن بين اسلحتها في هذه الحرب هو اسقاط الذرائع التي يمكن ان تتسبب في اشعال فتيل الحرب، لذلك فان صياغة التقرير جاءت متقنة بافتراض انه سيقرأ بعين مغرضة واخرى حيادية وثالثة مشككة.
غير ان محللين استراتيجيين عراقيين ومن بينهم الدكتور محمد جواد علي مدير مركز الدراسات الدولية في جامعة بغداد، وعبداللطيف المياح مدير مركز دراسات الوطن العربي يرون ان الاستعدادات العسكرية الامريكية لاتنبئ بقرب وقوع الحرب، مستندين بذلك الى ان الحشود الامريكية الموجودة في المنطقة غير كافية لغزو بلد بحجم العراق، وازاحة نظام بقوة نظام صدام حسين، ويفسر هؤلاء المحللون التصعيد الامريكي بأنه نوع من «حرب الأعصاب» بهدف تجريد العراق من اسلحته التي يخشى الامريكان ان تستخدم ضد اسرائيل، لكن الولايات المتحدة لاتكتفي بذلك بل تريد ترويض العراق وضبط حركته على وفق الايقاع الامريكي، ويخلص اصحاب هذا الرأي الى القول ان واشنطن ستشكك بالتقرير العراقي وستوحي للعراق والعالم ان الحرب واقعة لا محالة بهدف تركيع العراق من غير الحاجة الى الحرب التي قد تكون فاتورتها باهضة لواشنطن.
واذا اخذنا بهذا الرأي فان علينا ان نأخذ بالحسبان حقيقة مهمة وهي ان للولايات المتحدة اهدافاً غير معلنة تسعى الى تحقيقها من وراء ضرب العراق وهي ان تضمن حلا لمشكلة الشرق الاوسط على وفق الرؤية الامريكية الاسرائيلية، فإذا اطمأنت واشنطن ان بغداد على استعداد لتغيير منهجها، وان تتخلى عن ثوابتها في السياسة الداخلية والخارجية، فربما تؤجل خيار الحرب على ان تبقيه سيفا مسلطا على رقاب من سيشوشون على العزف الامريكي.
ومهما كان الاحتمال الذي سيفرض نفسه في النهاية فان التقرير العراقي لن يجد من يقرأه بعين محايدة، وستبقى بغداد متهمة حتى تثبت العكس، واثبات النفي هو المستحيل.

(*) كاتب وصحفي عراقي

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved