Wednesday 18th December,200211038العددالاربعاء 14 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

التردي الذي ...لا نستحقه التردي الذي ...لا نستحقه
د. ناصر بن عبدالله الغالي

يبدو أن غبار مانهاتن وأحداث الحادي عشر من سبتمبر قد تجاوز حدود قارة أمريكا ليصل إلى غيرها، بل إن تأثيره لم يقتصر على المستوى السياسي والاقتصادي، بل العسكري فحسب، بل تجاوزه إلى التأثير في الجانب اللغوي.
ها هي اللغة العربية تضيف إلى جوانب المدح والغزل والفخر - وهي الجوانب التي اشتهرت بالتعبير فيها شعراً ونثراً - جانباً آخر هو جانب الإحباط والاستسلام والتعبير عن الفشل.
أصبح المواطن العربي يتحدث علناً مستخدماً لغة جديدة للحديث عن العجز العربي والاعتراف بالفشل في مواجهة الأزمة الحالية وفي التعامل مع الأحداث المعاصرة، ويطالب فيها بحشد الجهود العربية لمواجهة هذا الضعف ولتقوية الصف العربي لمواجهة تلك الأحداث.
يهمني هنا في هذا المقال هذه اللغة الجديدة التي طرأت وتلك اللغة الانهزامية التي بدأت ترتفع وتعلو في الأفق العربي لتصبح لغة مألوفة للخاصة وللعامة، يتهامس بها الخاصة في مجالسهم وترتفع بها آهات السواد الأعظم من العامة في نقاشاتهم اليومية.
لعل مفردات تلك اللغة تتمحور حول تكتلاتنا العربية ولا تتجاوز كياناتها السياسية، فلا مجلس التعاون الخليجي تجاوز منطق الأمنيات، ورسم القرارات إلى تنفيذها ولم يحقق الطموحات التي أقيم من أجلها، فلا الوحدة السياسية تحققت وإن بدا التجانس السياسي ظاهراً لبعض الوقت، ولا الوحدة الاقتصادية أنجزت، على الرغم من وحدة الشعوب الخليجية وتجانسها وتمازجها وتداخلها مع بعضها البعض.
أما على المستوى العربي فحدث ولا حرج، فبيتنا الكبير مغلقة أبوابه ونوافذه على ساكنيه، وعلاقاته مع العالم الخارجي وأحداثه، وأزماته مقطوعة على جميع المستويات. كياننا العربي عاجز عن فعل أي شيء إزاء الأزمات والمشاكل التي تحيط بنا، فإن دعت دولة للاجتماع نادت الأخرى بانتفاء الحاجة لمثل هذه الدعوة، وإن وافقت دولة على الحضور رفضت أخرى.
فضلاً عن عجزه عن التنسيق السياسي، عجز كياننا العربي عن التعاون الاقتصادي؛ فلا سوق عربية مشتركة ولا وحدة عربية موحدة، بل أكثر من ذلك عجز هذا الكيان عن حماية وتوحيد مصطلحاتنا اللغوية المستخدمة في حياتنا اليومية على الرغم من إقامة المراكز المخصصة لذلك.
كل ما سبق دعا المواطن العربي أن يعبِّر أنه لا تعاون يرجى من هذا الكيان الذي عجز عن جمع أعضائه تحت سقف واحد، ولا حماية يمكن أن يعوَّل عليها من مؤسسة لا يعرف على وجه الدقة عدد أعضائها.
هذا باختصار هو محتوى تلك اللغة الجديدة المستخدمة في الشارع العربي والتي من أهم ملامحها البناء للمجهول، ففاعلها محذوف، ومنصوبها مرفوع، تتسم بروح العجز والخنوع والخضوع للآخر، والاستسلام، والإيمان بعدم القدرة على الفعل أو التصرف.
إن مثل هذه اللغة اعتراف بعجز لا تستحقه الأمة العربية وهي إلغاء لإمكانات أمة تملك مقدرات الاستمرار والنجاح، بل القيادة أيضاً. نعم لا نستطيع المكابرة ونفي العجز الحاصل لكن هذا العجز لا يمكن إطلاقه كحكم عام على جميع الدول أو أنه حكم نهائي، فالأمة مؤمّل منها أن تنهض من كبوتها وأن تستعيد توازنها وتجدد ماضيها، فلا يمكن أن يطلق مثل هذا الحكم على أمة تملك كل عوامل النجاح وإمكانيات النهوض.
إن المسوغات لانسحاب أحد أعضاء الكيان العربي - وهو الاعتراض على حالة العجز العربي - ليست قدرا مكتوبا على الأمة العربية لا يمكن الفكاك منه، خاصة ومثل هذا العجز لا يتوافق مع الإمكانات العربية. فالشارع العربي مع إحباطه وغضبه لم يطلب من دولة عربية ترك الجامعة العربية، بل لا أحد يقبل بذلك.
الجامعة العربية وإن آمنا بعجزها عن الفعل في الوقت الحالي، فهي ليست عاجزة عن التفكير، وفيها من القادرين على التفكير والتشخيص وسبر الأحداث واقتراح الحلول الكثير الكثير، فوجود الجامعة العربية ككيان سياسي قائم، مسوغ لاستنكار لغة الإحباط.. لغة الخنوع.. لغة الاستسلام.. لغة العجز العربي، فوجود التنظيم الأساسي ووجود الطاقم، وأهل المعرفة، وإن خفت صوتهم وغيّب وجودهم ضمان لأهمية بقاء هذا الجسم ودافع للمطالبة بضرورة تفعيل هذه الجامعة.
والجامعة في نهاية الأمر بما هو موجود عربياً، وليس من العدل مطالبتها بتقديم ما لا تستطيع تقديمه وما لا تملكه، ومن السذاجة مطالبة الجامعة العربية بمواقف صارمة وحلول شافية كافية للأزمة الحالية أو إحداث نقلة شاملة في قيادة العالم العربي، فالجامعة بموجوداتها وما هو متوافر لها لقد قالته العرب قديماً «كل إناء بما فيه ينضح»، ولذلك قبل الاعتراف بعجز جامعة الدول العربية ونعيها على الملأ لا بد من تفعيل الموقف العربي كي يصب داخل الجامعة وعندها يمكن تفعيل الجامعة العربية نفسها. وحتى ذلك الوقت فإن اعتراف المواطن العربي والمسؤول العربي على الملأ وبشكل مهين، بأنهم أمام هذه التحديات عاجزون ولا يملكون حولاً ولا قوة، هو اغتيال لأحلام الأمة العربية وقدراتها وإمكاناتها وهو اغتيال لا تستحقه أمتنا بأي حال من الأحوال.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved