Thursday 12th December,200211022العددالخميس 8 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

هل دقت ساعة تغيير النظام في العراق؟! هل دقت ساعة تغيير النظام في العراق؟!
زياد الصالح*

هذا موسم العمل على تغيير نظام الرئيس صدام حسين وفقاً لما يؤكده بأعلى أصواتهم المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف التغييري الكبير تحشد القوات والطائرات والأساطيل البحرية، وتعقد الاجتماعات العلنية والسرية في واشنطن ولندن وعواصم أخرى مع زعماء المعارضة العراقية وأركانها، ويتم إعداد الخطط المختلفة وتسريب المعلومات والتحليلات والأخبار المتناقضة أحياناً، وتوزيع التوقعات.
لكن لا أحد يتوقف ويسأل: ماذا جرى؟ لماذا لا يحدث هذا التحول الآن؟ لماذا استيقظ الأمريكيون، ومعهم البريطانيون هذه الأيام وبعد مرور ما يقارب من اثني عشر عاماً على تحرير الكويت والامتناع آنذاك عن إرسال القوات الأمريكية إلى بغداد لإسقاط النظام.. لماذا استيقظوا اليوم بهذا الشكل وكأنهم اكتشفوا، للمرة الأولى أن صدام حسين لايزال حاكم العراق وأن هذا الأمر لا يطاق؟ ما الذي حدث بعدما تعايش الأمريكيون وتكيفوا طوال هذه السنوات مع صدام حسين بطريقة توحي أنهم مستفيدون من استمراره في السلطة إذ حققوا بوجوده كل مايريدون وبأقل التكاليف والنفقات؟!
ما الذي حدث وصدام حسين لم يتجاوز أي خط أحمر ولم يرتكب أخطاء أكثر من العادة ولم يفعل أكثر مما فعله طوال هذه السنوات؟
هل العملية كلها مسرحية كبيرة أم أنها على العكس، وجدية وستظهر آثارها ونتائجها قريباً في الساحة العراقية؟
لا يمكن الإجابة عن هذه التساؤلات ومعرفة حقيقة ما تخطط له أمريكا بالتعاون مع بريطانيا إلا بالتوقف عند مسألتين أساسيتين:
المسألة الأولى: لماذا لم يتم إسقاط نظام صدام حسين فعلاً يوم كانت الفرصة متاحة تماماً لتحقيق ذلك أي خلال عملية تحرير الكويت؟
المسألة الثانية: هل انتهى دور صدام حسين اليوم في نظر المسؤولين الأمريكيين وحان بالتالي وقت إسقاطه؟
نبدأ بالمسألة الأولى فيبدو واضحاً من شهادات الذين خططوا ونفذوا عملية تحرير الكويت، سواء أكانوا عرباً أم أمريكيين أم أوروبيين، أن هناك سببين رئيسيين منعا الولايات المتحدة ودول التحالف من إرسال قواتها إلى بغداد لإسقاط نظام صدام حسين بعد الانتهاء من تحرير الكويت.
السبب الأول هو أن الدول العربية المشاركة في هذا التحالف عارضت بشدة دخول القوات الأمريكية أو أية قوات أجنبية إلى بغداد لاحتلالها وإسقاط النظام العراقي بالقوة والمجيء بنظام جديد آخر، واعتبرت هذه الدول العربية أن المهمة انتهت عند تحرير الكويت من الاحتلال العراقي وعند ضرب العراق بشدة لمعاقبته على ما فعل، كما اعتبرت ان قرارات مجلس الأمن لا تدعو إلى تغيير النظام في بغداد.
إضافة إلى ذلك اعتبر الرئيس الأمريكي جورج بوش ان ارسال قوات التحالف إلى بغداد سيؤدي إلى حرب شوارع دامية وإلى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الأمريكيين، كما اعتبر عدد من كبار المسؤولين العرب ان أي نظام يفرضه التحالف العربي - الدولي بالقوة على العراقيين لن تكون له أية قدرة على البقاء والاستمرار.
السبب الثاني لعدم ارسال قوات التحالف إلى بغداد لإسقاط النظام بعد تحرير الكويت هو حرص دول التحالف أو أغلبتيها الكبيرة على بقاء العراق موحدا والخوف من أن يؤدي غزو هذا البلد وكل ما سيرافق ذلك من عمليات إلى تفكيكه وتقسيمه إلى دويلات وتعريض المنطقة بأسرها لأخطار كبيرة.
وفي الواقع ان عملية تحرير الكويت رافقتها مخاوف جدية عربية ودولية من وجود أخطار تهدد العراق في حال انهارت قواه العسكرية تماماً.
الخطر الأول إيراني ويمكن ان يتخذ شكل تشجيع ودعم الشيعة في العراق على إقامة دولة لهم في الجنوب ترتبط بعلاقات وثيقة أو تحالفية مع طهران، أو شكل تشجيع الشيعة على تسلم الحكم في العراق بدعم من القيادة الإيرانية، وبالتحالف مع بعض العناصر المعارضة لصدام حسين.
الخطر الثاني المحتمل كردي بحيث يؤدي إقامة دولة كردية في شمال العراق تجذب إليها أعداداً كبيرة من أكراد تركيا وإيران وسورية.
الخطر الثالث أن يؤدي انهيار العراق وتفكيكه إلى تشجيع السنة في وسط البلاد إلى الانضمام إلى سورية أو الأردن على أساس أن ما تبقى من العراق بعد قيام دولتين شيعية وكردية لا يشكل دولة قائمة بذاتها خصوصاً أن معظم الثروات النفطية هي في الجنوب والشمال، ونتيجة هذه المخاوف كلها وبهدف منع حدوث هذه الاحتمالات الخطرة التي تهدد بتفجير نزاعات متعددة دينية وحدودية وسياسية وعسكرية في المنطقة، تم التفاهم بين دول التحالف على ضرورة وأهمية المحافظة على العراق ككيان موحد مما يعني عدم إرسال قوات التحالف إلى بغداد والامتناع عن القيام بأي عمل مباشر لإسقاط نظام صدام حسين بالقوة.
إضافة إلى ما سبق هناك سببان آخران مهمان وغير معلنين لامتناع دول التحالف عن إرسال القوات الحليفة إلى بغداد في آذار «مارس» 1991م لإسقاط نظام صدام حسين.
السبب الأول المهم وغير المعلن هو أن المسؤولين في أمريكا وبعض دول التحالف اعتبروا آنذاك ان من الأفضل أن يقوم نظام صدام حسين بنفسه تدمير ما لديه من أسلحة دمار شامل وذلك من خلال التعاون الخاضع للرقابة الدولية مع اللجنة المكلفة بإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية، على أساس ان المسؤولين في هذا النظام يعرفون أكثر من سواهم أسرار هذه الأسلحة ويملكون الوثائق المتعلقة بانتاجها أو اقتنائها طوال السنوات الماضية، أما إذا جاء نظام عراقي جديد بعد تحرير الكويت فستكون عملية تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل أكثر صعوبة وتعقيداً، كما ان استمرار وجود صدام حسين في السلطة يعني «شرعية أقوى» إذا جاز التعبير، لإزالة هذه الأسلحة التدميرية لأنه هو المسؤول عن غزو الكويت وكل ما نتج عن هذه العملية من خراب ودمار ومصائب.
السبب الثاني المهم وغير المعلن للامتناع عن إسقاط النظام العراقي بعد تحرير الكويت هو ان وجود صدام حسين في الحكم يبرر بقاء العراق معزولاً ومحاصراً وخاضعاً لعقوبات دولية عدة فترة طويلة، وإلى أن يتم تجريد هذا البلد من أسلحة الدمار الشامل وإضعاف قدراته وطاقاته المختلفة التسليحية وغير التسليحية وانتزاع مجموعة ضمانات منه بحيث لا يعود يشكل أي خطر أو تهديد محتمل على دول الخليج العربي أو على أية دولة أخرى.
لكن الأمر سيكون مختلفاً إذا جاء نظام عراقي جديد آخر بعد تحرير الكويت وتبرأ من عملية الغزو، إذ لا تستطيع دول التحالف حينذاك معاقبة النظام الجديد بمثل هذه القسوة والشدة وتحميله مسؤولية ما ارتكبه نظام صدام حسين.
لكن هذين السببين غير المعلنين كانا ماثلين في أذهان مخططي السياسة الأمريكية حيث تساهلوا مع بقاء صدام حسين في الحكم، إذ رأوا حسنات عدة في ذلك من وجهة نظرهم.
فقد كان الدور المطلوب من صدام حسين في نظر المسؤولين الأمريكيين هو «المساعدة» على إضعاف العراق وتجريده من قواه وقدراته الأساسية، بمجرد بقائه في الحكم بعد تحرير الكويت.
إذن هل انتهى دور صدام حسين اليوم في نظر المسؤولين الأمريكيين ولم تعد هناك حاجة إليه وإلى بقائه بالحكم؟!
الواقع ان استمرار صدام حسين في الحكم ضمن للولايات المتحدة أفضل وأنسب صيغة حل وأقلها تكلفة ومخاطرة ومجازفة، كما ان استمرار وجوده في الحكم شكل أساس السياسة لأمريكية تجاه العراق ومنطقة الخليج طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية.
فصدام حسين كان طوال هذه السنوات قوياً إلى درجة تسمح له بابقاء العراق كياناً موحداً، وكان في الوقت نفسه ضعيفاً إلى درجة أنه لا يستطيع تهديد الدول المجاورة كما فعل في السابق، وبلده خاضع للحظر النفطي والعقوبات مما يعني أنه لا يستطيع التصرف كما يشاء بمبيعات النفط أو التحكم بإنتاجه والتأثير على أسعاره في الأسواق العالمية.
والعراق نفسه محاصر ومعزول وضعيف وتحت الرقابة الدولية المستمرة، ولا يستطيع بالتالي أن يلعب أي دور في المنطقة أو التأثير على أي قضية من قضاياها، وطوال السنوات الماضية استطاعت أمريكا أن تتحكم بالعراق، وتمكنت من ابقاء هذا البلد تحت الحصار من دون الاضطرار إلى القيام بحروب أو عمليات عسكرية كبيرة أو المجازفة بأرواح الأمريكيين، وكان الشعار الحقيقي للإدارة الأمريكية هو «من الأفضل التعايش مع نظام صدام حسين المحاصر والمطوق والذي يساعدنا بأخطائه على إطالة أمد الحصار والحظر النفطي والعقوبات الدولية من الدخول في عمليات عسكرية كبيرة ومجازفات تهدد بتفجير وحدة العراق وتفكيكه واشعال حرب أهلية فيه وتحويله إلى أفغانستان أخرى لأن من شأن ذلك تعريض منطقة الخليج الحيوية والدول المجاورة لها ومنها تركيا وإيران لأخطار وتهديدات كبيرة، فلماذا تسعى الولايات المتحدة إلى مثل هذا الكابوس في حين تستطيع تحقيق كل أهدافها الأساسية من خلال قبول استمرار وجود صدام حسين في الحكم؟!».
فما الذي حدث هذه الأيام لكي تبدل الولايات المتحدة موقفها وتعلن مع بريطانيا تبنيها لسياسة جديدة تهدف إلى العمل على إسقاط نظام صدام حسين؟!
وهل دقت ساعة التغيير للنظام في بغداد؟!
وهل انتهى دور صدام حسين فعلاً في نظر الإدارة الأمريكية ولم تعد هناك بالتالي فائدة أو مصلحة بالنسبة إليهم من بقائه في الحكم طالما أنه قام بإزالة أكثر من 90% من أسلحة الدمار الشامل فقررت العمل على إسقاطه بالتعاون مع بريطانيا ودول أخرى تمهيداً لمجيء نظام آخر؟!
وهل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية مؤاتية اليوم أكثر من السابق لتنفيذ عملية التغيير الكبير في العراق؟!
المراقب لتصريحات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة يكتشف أن مايجري ما هو إلا عملية سياسية-إعلامية نفسية لا أكثر، من خلال مسرحية سياسية-إعلامية يوحي بواسطتها الأمريكيون والبريطانيون أنهم يريدون التخلص من النظام العراقي من دون توفير وتأمين الإمكانات الفعلية والحقيقية لإحداث التغيير في العراق..!!
فالواقع ان المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين لايملكون القدرة على تحمل الخسائر الكبيرة الناتجة عن إرسال أكثر من 300 ألف جندي لغزو العراق والسيطرة على بغداد، وإسقاط النظام وملاحقة الرئيس العراقي وأركان حكمه تمهيداً لاعتقالهم ومحاكمتهم، كذلك لا تساورهم أية أوهام بقدرة المعارضة العراقية على تغيير النظام، ولايعلقون على هذه المعارضة الآمال العريضة!
أما التغيير في العراق فينتظر إما حدوث إنقلاب عسكري مفاجئ من الداخل قد يأتي قريباً أو لا يأتي..!!
وفي انتظار ذلك تواصل أمريكا ودول أخرى عملية التعايش والتكيف مع نظام صدام حسين، واستغلال وجود هذا النظام لابقاء العراق محاصراً ومعزولاً وضعيفاً وخاضعاً لمختلف أنواع العقوبات وغير قادر على التأثير على مسار الأحداث في الموقف.

(*) كاتب ومحلل سياسي - لندن

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved