Monday 9th December,200211029العددالأثنين 5 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
عبدالرحمن بن محمد السدحان

أطياف ملونة«1»
عوتبت أكثرَ من مرة لاختياري عبارة (هواجس بيروقراطية) عنواناً لكتابي الأول الصادر عام 1413هـ، بحجة أن كلمة (هواجس) لا تنسجم معنىً ومضموناً مع أطروحات الكتاب نفسه، وأنه يتناول قضايا جادّة لا تمليها (الهواجس) ولا تسيّرها، ولكن يكيّفها العقل. والإيقاعات الحياتية للناس في تعاملهم اليومي مع الادارة، مدّاً وجزراً.
كان من بين مَنْ كتب لي معاتباً في هذا السياق الأخ الأديب زهير كتبي، بعدان أرسلتُ له نسخةً من الكتاب المشار اليه تلبيةً لطلبه. كما انتقد الأخ كتبي استخدامي لمصطلح (البيروقراطية) بحجة أنّه لفظ أجنبي، وتساءل عمّا اذا كنتُ باستعارة هذا المصطلح (أباهي) بما فعلتُ (لأُري) الناسَ معرفتي بلغة الغرب!
وقد كتبتُ له ولـمَنْ تساءل مثله رداً استلّ منه المقطعَ الآتي بشيء من التصرّف:
* لم يأتِ عنوانُ الكتاب (هواجس بيروقراطية) عبثاً، فالهاجسُ حالةٌ معنوية تلازم النفس، وتشدّ العقل،
وقد ترسل اللسانَ والقلمَ مدْراراً بشواهد الكلام، وتمنّيتُ على الكاتب أن يدلّني على أحدٍ من البشر في أقصى الأرض أو أدناها لم تحرجْه (البيروقراطية) في يوم من الأيام أو تحْبطه أو تعطِّلْ له طموحاً، فتتحوّلَ في خاطره الى (هاجس) يلازمه، آناءً من الليل والنهار!
* أمّا مصطلح (البيروقراطية).. فهو كلمة مركّبة خلع عليها الأكاديميّون والإداريّون والعامةُ من الناس (الجنسية) العربية منذ زمن طويل، حتى غدا لفظاً مقبولاً ومألوفاً في تداولنا اليومي، سمْعاً وكتابةً ونطقاً، مثلُه في ذلك مثل كلمات (التليفون) و(التلفزيون) و(الراديو) وغير ذلك، ومن ثم فلستُ في اختيار هذا اللفظ مبْتَدعاً ولا مباهياً به، أو تابعاً!
(2)
* تظلّ باريس فاتنةَ مدن العالم بلا منازع.. يعشقها معظمُ الناس.. معظم الأوقات.. فيشدّون إليها الرحال عَبْر كلّ الفصول، لا يملّون لها عشْرةً.. ولا يعافون فيها مقاماً!!
* ومنذ الأيام الأولى.. لشهر سبتمبر من كل عام، تصابُ باريسُ بنشوة (التجرّد) من أوراقها.. تأهّباً لحمّام الشتاء الطويل! ولها في كل يوم.. بل في كل ساعة.. موعد جميل مع السحاب.. وموعد أجملُ مع الشمس.. مرةً،
تتسلّل عناقيدُ المطر تسلَّل عاشقٍ الى دار حبيبة.. ثم تنسحب بنفس الهدوء العذب.. ليبتلعها السحابُ..
وتارة، تطلُّ الشمسُ في خفْر وحشْمة.. متنقبةً بخمار السحاب.. تلقي تحيةَ الأصيل.. قبل أن تَتَدثّر بعباءة الليل الطويل!
* ما أشبَه (سيناريو) العمر بدورة الشمس:
ضعفٌ.. فإشراقٌ.. فوهجٌ.. فذبولٌ.. ثم غروبٌ.. فنهاية!
* وخلال هذه المراحل من العمر.. (يولد) المرء منّا.. ويموتُ أكثر من مرّة، تبعاً لـ (هُوية) الانسان في أعماقه!
* كلُّ منا يعيشُ لحظةَ (ميلاد)، حين ينْثر ندى الفرحة على شفةِ يائسٍ.. حين يقْرعُ في وجدانه أجراسَ الحنَان..
يبدّد نغمها فيه وحْشَةَ القُنوط!
* والكلُّ منا يعيشُ حالةً من انعدام الوزن الوجداني..
حين يفشلُ في بلوغ تلك الغاية!
باختصار: متعةُ العمر الحقيقي.. أن نحبَّ ونَهبَ! أمّا ان نعتصمَ داخل جدران أنانيّتِنا.. فتلك حالةٌ من الموت تسبقُ الموتةَ الكبرى!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved