حينما يتقابل شخصان من وطننا العربي الكبير ومن قطرين مختلفين أومن قطر واحد وبعد التحية الممزوجة بنبرة حزينة مشوبة بقليل من التوتر والقلق إذ يبدو أن تضخيم الأشياء بلغ مبلغه في هذه الحالة حينئذ تتجلى صورة الإحباط بدون تشويش، بمعنى أنك ستشنف أذنيك بالآهات، وكل تعبير مغاير للواقع أو بالأحرى مبالغ فيه..
فعندما تنصت أوتتنصت وهذه الأخيرة منبوذة في مجتمعاتنا ستعتريك حالة من الأسى، ويكون التصور سوداوياً بقدر ما يوصف، وإن جانب الصواب أحياناً وليس صفة التضخيم،
فإذا كانت العواطف على أساسها سيتم تقييم الوضع بعيداً عن صوت العقل وحفظ التوازن في هذه المسألة، فإنها ستفرز شعوراً مبطناً بالانكسار بعيداً عن التصور المنطقي واغفال دور التفاؤل في هذا الجانب..
وما يميز المواطن العربي هو:
المشاعر الجياشة والأنفة والكبرياء والفكر المتقد، ولا غرابة في ذلك فهو سليل الحضارات والمراهنة عليه ناجحة بكل المقاييس بإذن الله تعالى.
بيد أن المشاعر تنساق وفي حالات كثيرة إلى جلد الذات القسري والشعور بالتقصير أو الذنب غير المبرر.
فإذا كانت الجراح قد زرعت في قلوبنا منذ ما يربو على نصف قرن وبقيت جاثمة على صدورنا طوال هذه العقود فإن هذا لا يسوغ بحال من الأحوال تمرير الإحباط بين الحين والآخر، وتكبيل الطموح وإلغاء دور التفاؤل. فهذا الأمر بلا شك ينال من الوحدة الوطنية ويعيق مسيرة التنمية العربية في شتى المجالات أو بمعنى أصح يساهم في ابطاء دور عجلة التنمية،
ولا يخدم أي جزء من تراب هذا الوطن الغالي بل يعطي مؤشراً ايجابياً لأعداء الأمة الذين ما فتئوا يطرقون السبل والوسائل لإعاقة الوحدة وخلق البلبلة وإثارة الطائفية وتكريسها، فإن شحذ الهمم لإعطاء الصورة المضيئة والمؤثرة في نفس الوقت والتفاعل مع المعطيات الحضارية واحتواء رأس المال الوطني المتمثل في العقول النيرة البناءة هو المقياس الحقيقي،
وإذا كان الحزن قد تربع على مساحة ليست بالقليلة على القلوب، فإن الأمل بالله سبحانه وتعالى، ثم بجهود السواعد المخلصة في الارتقاء بالمستوى الفكري وزرع الطموح ومواكبة المستجدات الحضارية ليكون الحصاد في النهاية هو بناء الإنسان العربي بناءً فكرياً سليماً بعيداً عن التعصب وإيقاف السيل الهادر من الاحباطات التي يمارس تمريرها سراً وعلناً.
ومن نافلة القول:
إن النظرة السوداوية القاتمة لا تساهم في البناء بل العكس تساهم في تقويض البنيان وتعيق مسيرة التنمية العربية، وهناك شعوب اكتوت بنار الظلم والقهر فلم يزدها هذا إلا اصراراً وتحدياً واختراقاً للاحباط وإسقاطه،
واستدركت حتمية المواجهة والنهوض بالفكر حتى أضحت نداً عنيداً لانها لم تستكن ولم تركن إلى اليأس فلنعقد العزم متوكلين على الله سبحانه وتعالى من خلال استنهاض الهمم والرفع من مستوى الواقع الاجتماعي،
لنجعل من الهموم حافزاً للمضي قدماً والتفاعل مع التطور الحضاري المذهل لنصبح مؤثرين في هذا المضمار،
فضلاً عن ذلك فإن الاقتصاد يعتبر الشريان المغذي للمسيرة التنموية، فإن المحافظة على مقدرات الأمة ومكتسباتها والمحافظة أيضاً على اقتصادها مسؤولية مشتركة من خلال نشر الوعي الاستهلاكي واقتناء المنتجات العربية ما سينعكس ايجاباً على استمرار النمو واستقراره،
وفي نهاية المطاف ابتهل إلى المولى عز وجل بأن يفرج هموم الأمة ويعيد الأرض السليبة إلى احضان الوطن العربي الكبير وأن يوفق الجهود المخلصة في كل ما من شأنه مصلحة هذا الوطن الكبير إنه ولي ذلك والقادر عليه.
|