الأرقام المالية التي خرجت بها ميزانية العام الجديد، تعكس في جانب مهم منها، طابع الشفافية والوضوح، الذي تسير عليه وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وضوح ينعكس من خلاله الأداء الفعلي لمكونات اقتصادنا الوطني ومن ثم توجهات ذلك الاقتصاد للعام القادم وربما للمستقبل البعيد، وبالطبع فإن تلك الشفافية وهذا الوضوح يستوجب بالمقابل من جميع من له صلة بالنشاط الاقتصادي ان يكون واضحا وواقعيا في تنبؤاته وقراءته، وذلك ان العجز المالي الوارد في بيان الوزارة الاخير سيؤثر دون شك على مسيرة التنمية وخططها التي تم وضعها على مدى السنوات، تأكيد ذلك يرد في ان حجم الدين العام الداخلي يفوق حجم الناتج المحلي الاجمالي، فالأول بمقدار 700 مليار ريال بينما تذهب التقديرات الى ان الثاني هو في مدى 695 مليار ريال.
وهذه الحقائق ربما يقلق بشأنها المواطن العادي او من لا يدرك حقيقة مكامن القوة وسرعة الدفع التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي بما يمكن من القفز فوق «الامر الواقع»، وتأسيس رؤية جديدة طابعها التفاؤل.. فالمتتبع لمسيرة الاداء الاقتصادي خلال العامين الاخيرين.. يدرك ان هناك محاولات جادة يقودها ولاة الأمر - حفظهم الله - عبر المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة بغية ايجاد بدائل انتاجية تكون اكثر استقراراً وقابلية للوفاء باستحقاقات المستقبل الملحة.
ولقد تنبهت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، الى حقيقة ان مورد النفط، بالتذبذبات التي توثر على استقراره، ربما لا يصح التمويل الكامل عليه في تمويل خزينة الدولة.. لذا كان الاتجاه الجاد نحو تعزيز الصناعات غير النفطية واتاحة المزيد من الفرص امام القطاع الخاص، وفتح المزيد من مجالات العمل الاستثماري في قطاعات جديدة امام رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية مثل القطاع السياحي او الخدمي عموماً.
ولعل الخطوات الجريئة الاخيرة التي اتخذها المجلس الاقتصادي الاعلى وانتهى فيها الى وضع نحو 20 مرفقا عاما ضمن برنامج التخصيص ستؤتي ثمارا موجبة، منها المساهمة الجادة في تقليل حجم الدين العام، وتخفيف العبء على الحكومة وتنشيط سوق رأس المال الوطني، واجتذاب الاموال المهاجرة والاجنبية.
إنني على يقين من ان قدراتنا على تجاوز الراهن جد فاعلة وحية لو تم تعميم روح الواقعية بين فريق العمل الحكومي وفي القطاع الخاص.. ثم إطلاق المزيد من المرونة الادائية والادارية بجوانبهما المتعددة.
* رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض |