تتراءى لك المحاولة..
بين الشيء واللا شيء..
بين الراسخ والسراب
في وسط الليل..
وفي آخره..في ليالي رمضان التي تفتح مصراعيها لتريك الأشياء بوجهها الحقيقي..في زحام المساجد بالمصلين..
وفي صوت القرآن الذي ترتج له أركان القلوب..في الدعاء والقنوت..في دموع المصلين والمصليات تتساقط على الأكف كسيل يغسل الأرض الجافة ويروي أعشابها الجديدة..في العبرات والإجهاش بالبكاء المحبوس بالضلوع حين يدعو الإمام بنيل الجنة وقبول الصيام والقيام وألا يجعله الله رهقاً للجسد وجوعاً للبطن وحين تتضاعف العبرات وتضج الأماكن الطاهرة بالبكاء في الدعاء بالرحمة للأموات الذين رحلوا ولم يلحقوا رمضان الجديد..
وللمرضى الذين يلتحفون أغطية الألم ودثارات الأنين وينتظرون فرجاً من لدن رحيم عليم..
* كل ما في المساجد يشي بالحقيقة الراسخة..
الإيمان والصدق والتخلص من وعثاء الحياة وكدرها يخرج المصلون وكأنما اغتسلت قلوبهم من همومها.. تحلق حولهم أحلامهم البيضاء بمغفرة وتوبة وخير عميم ودوام نعمة وزوال غمة وجنة بعد الممات..ماذا يريد الإنسان أكثر من ذلك..إنه رمضان فقط الذي يفتح أمامنا كتاب الحياة لكي نرى كيف يعيش العقلاء وكيف نجحوا في تلمس الطريق السوي لفلاح في الدنيا ونجاح في الآخرة.وبين فريق آخر هو طرف معادلة اللا شيء ذلك الذي ليس له من رمضان والله أعلم إلا امتناع عن إلقام الفم سويعات النوم وهل سمعتم عمن يأكل أثناء نومه..ينام الكثيرون والكثيرات طوال النهار وحين يملأون البطون..يهبون في رحلة طويلة.. طويلة باتجاه اللا شيء.. باتجاه السراب يحرثون الأسواق بأشكالهم الغريبة.. يقلبون في الأردية والأحذية ويمشطون الطرقات ركضاً.. يتمايلون على أصوات ناعقة تنبعث من سياراتهم..لا يأبهون إن علا صوتها على صوت قرآن المساجد..ولا يأبهون إن رقصوا أمام فتيات ناقصات العقل يعبرن الشوارع والأسواق يعرضن جمالهن أمام الذاهب والآتي ويتكسبن من ورائه لنيل كلمة عذبة تطري وحدتهن وشعورهن بالخواء واللا جدوى.. كلمة فقط ولا يتجاوزن ذلك.. لكن..
* ترمقهن الأجنبيات الشقراوات.. ويغمزن ويلمزن على ماكياج السهرات وأحذية السهرات وفساتين السهرات السوداء التي ترتديها بعض النساء في أسواقنا..وتتابع النسوة القادمات من الخارج مسرحيات غزل هزيلة جداً يقودها بعض الشبان الجدد ببناطالاتهم الواسعة جداً وبلايزهم الطويلة والفضفاضة وهم يركضون خلف فتيات يرتدين أسفل فساتين «الشيفونات السوداء» المسماة مجازاً «عباءة» بنطالات ضيِّقة جداً وبلايز ضيقة جداً وقصيرة جداً.. جداً... ومكياج وأحذية واكسسوارات السهرات..
* وتستغرب نساء الخارج.. يقلن للعاقلات من نساء الداخل اللاتي يلتقين بهن في بعض المواضع الثقافية..كل هذا وتقولون لدينا «حكرة» ولدينا تقاليد اجتماعية خانقة...إن الخروج بهذا المنظر في بلادنا يعد كارثة وهذه الملاحقات الهزيلة تعد أم الكوارث لو حدثت..
* كيف يمكن للأجيال أن تتواصل.. وأن تعلم وتدرك أن المساجد وقيمها وروحانيتها ليست مناخات مؤجلة إلى ما بعد الأربعين أو الخمسين..
كيف نقارب بين طرفي المعادلة..
بين الشيء.. واللا شيء..
بين الراسخ والمتسرب..
بين المبدأ واللا مبدأ..
* كل رمضان ونحن أفضل.. ونحن أقدر على تقريب المسافات بين الخطأ والصواب.. وكل رمضان ونحن أكثر جرأة وقوة في اتخاذ التدابير التي تردم الهوات العميقة التي صارت تظهر في خط سيرنا الاجتماعي..كل عام ورمضان يهبنا فرصة أكبر بالغفران والرحمة والعتق من النار..وكل عيد وأيامكم أجمل.
|