انتهى شهر رمضان، وجاء العيد، حلَّ الفرح، وحان موعد الشكر لله على نعمائه، وتلاقت الأكف المؤمنة وتصافحت، ونطقت الألسن كلها: كل عام وأنتم بخير.. إنه موسم الخير إذاً، وموعد التلاقي بين القلوب، في موسم المغفرة والتوبة، حين تهفو الأفئدة إلى التسامح والمحبة وتتداخل المشاعر في نسيج من الألفة عجيب.فالحمد لله الذي جعل لنا في ختام رمضان عيدا، والحمد والشكر لله الذي خلقنا وكرَّمنا واصطفانا له جنوداً، وجعل بيننا مودة ورحمة، وشملنا بمغفرته وحبه، وخصنا بباب الريان يوم القيامة.
العيد وحدة للأمة، وشحذ للهمة، وصلة رحم، وود وكرم، هو فرحة الصائم وهدية الله سبحانه وتعالى له، وهو أكبر معنى من الإفطار، وأسمى قيمة من كعك العيد وحلوياته، إنه حلا القلوب، وعسل الشعور، ورضا النفوس.
ليلة العيد تكتظ الأسواق بالمشترين الذين يتجهزون للعيد، وتنفتح الجيوب بكل اتساعاتها على أقصى أمنيات أصحابها، وتتقاطر الأمنيات بالاختيارات، ويعود المعيّدون مثقلين ببضائع العيد ومفرحاته، ويبيت الجميع من الموسرين المقتدرين متلهفين طلوع الصباح، لتنطلق بسمات العيد وألعابه، ولتلون الثياب بزركشاتها زرقة الآفاق.
وفي غفلة منا، وفي غمرة انشغالنا بالبهجة، ننسى أن إخواناً لنا كثيرين لا يزالون يبحثون عن العيد في متاهات أحزانهم فلا يجدونه، وأنهم لا يزالون يحاولون اختراع لحظات للفرح، فيسقط في أيديهم! وينظرون إلينا من البعيد، ويحدقون بنا، وتشرق أعينهم بالدموع، وتتلعثم ألسنتهم بالتضرع والشكوى، ويطلع عليهم الصباح صباح العيد فيعجبون كيف أن الليل لم يغادر قلوبهم، وكيف أن الحزن لم يترجل من سروج أجفانهم، وكيف أن التعب لم ينم في جوارحهم!!
نحن نفتح أبواب بيوتنا للقاء المعيّدين، ونفتح عيوننا لاستقبال الهدايا، وإخوان لنا يفتحون بيوتهم لاستقبال المعزّين، ويفتحون عيونهم ليعبر سيل الدموع بحرية ويسر.. فهم هكذا تعودوا.. وهم هكذا أريد لهم ان يعيّدوا!!
معالم الفرح والسعادة تصبح هناك على أرض فلسطين الصابرة معالم قلق ووجوم.. ولونا من العتاب الصامت، وخوفاً مجنحاً من الخوف القادم، ومن المجهول القادم، في ظل نظرات العجز التي تحاصر أصحابها من كل الجهات، وترسم ألوان الشحوب المطفأة على وجوه الأمهات، وفي وجنات الثكالى، وتزرع الحزن والدمع في عيون الأطفال دونما استثناء!!
نحن أمة واحدة، فرحنا واحد، وألمنا واحد، لأن ديننا واحد هو دين الإسلام، دين المحبة والأخوة، ودين التكافل والتعاضد، ومستقبلنا واحد.. كل شيء لنا واحد، اللهم إلا حزننا مختلف، وصبرنا مختلف.. وعيدنا مختلف.... وتاليتها؟؟؟!!!
|