تشهد أنظمة الرعاية الصحية في العالم تقدماً متسارعاً وتطوراً مستمراً يفرض على المؤسسات الصحية المختلفة تحدياً متواصلاً وحركة لا تهدأ ولا تستقر. وتعتبر المعلومات بمثابة الوقود الذي يسير هذه الأنظمة في حركتها المستمرة وسعيها الدؤوب لتحقيق أهدافها الانسانية في مكافحة المرض والتخفيف عن المصابين وبلوغ مستوى من الصحة يتيح للانسان المعاصر حياة منتجة اقتصادياً واجتماعياً.
وتأتي خطوة وزارة الصحة المتمثلة في اصدار دليل اجراءات العمل في مستشفياتها منسجمة مع هذا التطور وحلقة جديدة في اطار توجه الوزارة نحو تبني مفهوم الجودة الشاملة وسعيها لتطبيقه في مجال تقديم الخدمات الصحية بهدف رفع مستوى الخدمات الطبية والعلاجية في المملكة من خلال خلق آليات جديدة ووضع معايير قياسية وتهيئة الظروف الملائمة للعاملين فيها، وهم المستهدفون في المقام الأول بهذا الدليل، لتمكينهم من رفع مستويات أدائهم والوفاء بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم بكفاءة وفعالية.
ولما كانت القرارات والاجراءات التي تتخذ في المستشفى من أهم القرارات لارتباطها الوثيق والمباشر بحياة المريض وصحته، يأتي اصدار دليل اجراءات العمل في مستشفيات وزارة الصحة مثل سابقه، دليل اجراءات تنظيم العمل في المراكز الصحية، ضمن سلسلة الأدلة والكتب الصادرة من الوزارة الرامية لتوثيق الاجراءات العلمية والفنية والإدارية لضمان جودة عالية وشاملة لخدمات الرعاية الصحية التي تقدمها الوزارة للمواطن والمقيم.
وتأتي هذه الخطوة من منطلقين أساسيين، الأول هو شعور المسؤولين في الوزارة بضرورة توحيد وتبسيط اجراءات العمل في مستشفياتها وذلك لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية، ويأتي الثاني من خلال مؤثرات خارجية مثل كثرة الشكاوى والتذمر من قبل المستفيدين من الخدمات التي تقدمها تلك المستشفيات نتيجة لتعقيد وعدم وضوح الاجراءات الحالية الأمر الذي يجعل من توحد وتبسيط الاجراءات ضرورة ملحة لتحقيق رضا المستفيدين وتلمس احتياجاتهم وخاصة عندما يتعلق الأمر بجانب حيوي وهام ألا وهو تقديم الخدمة الصحية.
وتأمل وزارة الصحة من اصدار دليل اجراءات العمل في مستشفياتها بأن يحقق العديد من الفوائد سواء على مستوى المنظمة الصحية أو مقدم الخدمة أو جمهور المستفيدين من الخدمات الصحية، أما بالنسبة للمنظمة الصحية، وهي في هذه الحالة المستشفى، تأمل الوزارة أن يؤدي اصدار الدليل إلى تحقيق عدة فوائد منها تقديم أفضل الخدمات الصحية الممكنة للمواطنين والمقيمين وبالسرعة المطلوبة التي تحقق الغاية من تلك الخدمات، وتحقيق النمطية في أداء العمل في المستشفيات التابعة للوزارة وبالتالي تحقيق العدالة والموضوعية في تقديم الرعاية الصحية، وتحديد كمية ونوعية الطلب على الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات الحكومية وبالتالي تسهيل عمليات التخطيط والرقابة على مستويات الخدمات المقدمة وعلى أداء العاملين في المجال الصحي والتأكد من الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، حيث يمكن أن تكون الاجراءات الواردة في الدليل بمثابة مرجعية فنية وقانونية في حالة الالتباس والمساءلة ومنهجاً موحداً لتفادي تعدد أساليب التطبيق والاجتهادات الخاطئة.
أما على مستوى مقدم الخدمة، وهم هنا العاملون في مجال تقديم الخدمات الصحية في المستشفيات باختلاف فئاتهم أو مسمياتهم الوظيفية، فسوف يساهم الدليل في تهيئة وتدريب العاملين في المستشفيات على المهام الموكلة إليهم والتقويم المستمر لرفع مستويات الأداء وتطوير مهارات العاملين في الحقل الصحي من خلال برامج التعليم المستمر، وتقليل المجهود الذهني والجسدي للموظف الذي يمكن أن يستنفذ في التفكير أو الاجتهاد في كل مرة يقوم فيها بالاتصال مع المستفيدين من الخدمات التي تقدمها مستشفيات وزارة الصحة، ومن ثم خفض الوقت والجهد والتكلفة الخاصة بتنقل الموظف وتخبطه وتخمينه لكيفية تأدية المهام الموكلة له، اضافة إلى تقليل حدة التوتر النفسي لدى العاملين في المجال الصحي وبالتالي مساعدتهم في انجاز المهام الموكلة لهم بصورة سريعة ودقيقة دون تردد أو تذمر، حيث تستند أدلة الاجراءات في الغالب إلى معايير قياسية موحدة الأبعاد وجوانب الخدمة الصحية المختلفة تهدف إلى تفادي الأخطاء المهنية والفنية التي تنتج من عدم الإلمام بتلك المعايير القياسية كما يساعد الدليل في معرفة العاملين «وخاصة المستجدين منهم» لواجباتهم وكيفية أدائهم للمهام الموكلة إليهم بشكل قياسي وموحد بدلاً من الاجتهادات المتعددة والخاطئة أحياناً وبالتالي الحد من نسبة الأخطاء المحتملة نتيجة قلة الخبرة في مجال تقديم الخدمات الصحية.
أما على مستوى جمهور المستفيدين من الخدمات الصحية، فلا شك أن هذا الدليل سوف يؤدي إلى فوائد كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، تحسين الخدمات الصحية المقدمة لهم في المرافق الصحية، وتوفير الجهد والوقت وبالتالي سرعة الحصول على الخدمات الصحية، وتحديد طبيعة العلاقة بين المستشفيات والمراجعين والمجتمع من ناحية مما يؤدي إلى وضوح المتطلبات اللازمة للاستفادة من الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات الحكومية وتحضيرها مسبقاً قبل مراجعة تلك المستشفيات ومن ثم الحصول على الخدمات الصحية بانسيابية وسهولة ويسر.
وعلى الرغم من الفوائد العديدة السالفة الذكر والتي تأمل الوزارة في تحقيقها من خلال اصدار دليل اجراءات العمل في مستشفياتها، يجب أن لا يسود الاعتقاد بين القائمين على إعداده أو المستهدفين به في المقام الأول وهم مقدمو الخدمات الصحية في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة بأن اصدار الدليل هو غاية في حد ذاته أو أنه كفيل بمعالجة جميع معوقات الأداء الحالية، بل على العكس تماماً، يجب أن ينظر إلى اصدار هذا الدليل على أنه بمثابة خطوة أولى في الطريق الصحيح ومقدمة لعمل متواصل يتمثل في التقييم المستمر والمراجعة الدورية لمحتوياته وتحديثه وفق معايير علمية تهدف إلى تبسيط ما ورد فيه من اجراءات واستكمالها كلما تطلب الأمر ذلك على نحو يمنع تقادمها وجمودها وبالتالي الحيلولة دون تحولها إلى روتين قاتل يقف حجر عثرة في سبيل تقديم خدمات صحية ترقى إلى مستوى تطلعات وطموحات القائمين على شؤون هذا البلد الكريم المعطاء وكل من يقيم على ثرى أرضه الطاهرة.
كما يجب أن تسعى الوزارة جاهدة إلى التنسيق مع المستشفيات التابعة للجهات الحكومية الأخرى التي تقوم بتقديم خدمات صحية لمنسوبيها مثل وزارة الدفاع والحرس الوطني ووزارة الداخلية بالاضافة إلى القطاع الصحي الخاص بهدف الاستفادة من تجاربها في هذا المجال والوصول إلى صيغ مشتركة تؤدي في نهاية المطاف إلى تعميم هذه الاجراءات على المستشفيات العاملة في القطاعين العام والخاص بعد مراجعتها والتأكد من ملاءمتها لطبيعة ومتطلبات تقديم الخدمات الصحية في جميع تلك الجهات ولحاجات وظروف جمهور المستفيدين من خدماتها.
ولا يفوتني في هذه المناسبة إلا أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من ساهم في إعداد هذا الدليل سائلاً المولى العلي القدير أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه وأن يحقق هذا الدليل الهدف المرجو منه وأن يكمل جهودنا الرامية لتحقيق أمالنا وتطلعاتنا في الرقي بالخدمات الصحية لتواكب تطلعات وطموحات ولاة الأمر في بلادنا الغالية.
* رئيس فريق دراسة قطاع الخدمات الصحية في اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري وأستاذ الإدارة الصحية المساعد وعضو لجنة البحوث بمعهد الإدارة العامة بالرياض |