الصحافة مرآة صادقة لكل ما تكنه لواعج الصدور، فهي الوسيلة الوحيدة لابداء الرأي على أكبر قدر من الشمول والتعمق، وفي حدود المعقول.
على ان الصحافة تطالعنا بين الفينة والفينة باللا معقول أيضا.
ومنذ عهد قريب بدأت تتناهى الى أسماعنا بعض النغمات الجديدة وهي بلا شك نغمات صاخبة لا تخدم سوى أولئك الذين يعزفونها.
ولعله لم يبق سوى شوقي، هذا الرجل الصادق العفيف، الذي طالما خدم بشعره الاسلام.. إذ يأتي اليوم وبعد كل هذه السنوات التي مضت على فقده من يحاول أن يهز من مكانته ويجرده من امارة الشعر.
أنا لا أتصور كيف يبيح البعض لنفسه ان يطلق عنان قلمه للنيل من كرامة الأموات والعباقرة.
ان شوقي رحمه الله مادح الرسول الأمين عليه أفضل الصلوات والسلام، وانه مع ذلك لكما وصفه الأستاذ المرحوم أحمد الهاشمي بقوله:
«ينظم بين أصحابه فيكون معهم وليس معهم وينظم حيث يشاء، ومتى شاء لا يجهد فكره ولا يكده في معنى أو في مبنى فأما المعنى فيجيئه على مرامه أو على أبعد من ذلك، ولا ينضب عنده لأنه يستخلصه من عقل فوار الذكاء، ومعارف جامعة الى أفانين الآداب في لغات الأفرنج والأعراب».
فأين هؤلاء من شوقي وعبقريته.. لقد جمع شوقي فأجاد.. ففي شعره من نسج البحتري، ومن صياغة أبي تمام، ومن وثبات المتنبي، ومن مفاجآت الشريف، ومن مسلسلات مهيار.
انظروا كيف يصف الصحافة:
لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف لسان البلاد ونبض العباد وكهف الحقوق وحرب الجنف تسير مسير الضحى في البلاد إذا العلم مزق فيها السدف وتمشي تعلم في أمة كثير بها لا يخط الألف فيا فتية الصحف صبراً إذا نبا الرزق فيها بكم واختلف فإن السعادة غير الظهور وغير الثراء وغير الترف ولكنها في نواحي الضمير إذا هو باللوم لم يكتنف خذوا القصد واقتنعوا بالكفاف وخلوا الفضول يفلها السرف |
ومن قصيدة أخرى للمرحوم شوقي يحث فيها العمال:
أيها العمال أفنوا العمر كداً واكتسابا اعمروا الأرض فلولا سعيكم أمست خرابا أتقنوا الصنعة حتى أخذوا الخلد اغتصابا ان للمتقين عند الله والناس ثوابا |
.. إلخ من قوة البيان وأصالة الشعر وحلاوة الموسيقى متجسدة في أعمال شوقي الأدبية التي تعتبر مفخرة للأمة العربية جمعاء. لقد أوردت هاتين القصيدتين لانسجامهما مع مناسبة الحديث مع أنهما ليستا من جيد شعره.. رحم الله شوقي رحمة واسعة جزاء ما قدمه للأدب العربي ولغة القرآن من محاسن.
وسيظل شوقي أميراً للشعر رغم الكارهين أيضاً.
|