ما أحوجنا إلى شجاعة الرأي السديد القائم على الحجة، في مواجهة بعض ما يجري على الساحة، وإعادة النظر في أمور قد يتحرج الكثيرون من إبداء وجهة نظر مغايرة فيها، نظراً لحساسية تلك الأمور كونها تتعلق بالعقيدة الإسلامية التي ارتضيناها جميعاً دستوراً وحيداً لدنيانا وآخرتنا.
أقول ذلك بمناسبة ما كتبه في صحيفتي «الوطن» و«الشرق الأوسط» الجمعة الماضية، الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز الأمين العام لمؤسسة عبدالعزيز بن باز الخيرية حول ظاهرة إذاعة الصلوات الجهرية عبر مكبرات الصوت الخارجية، وأن ذلك من الجهر المكروه لما له من تأثير على النساء والأطفال والمرضى وأهل الأعذار في المنازل، ولانصراف حركة الشارع والأسواق - خاصة أثناء صلاة التراويح - عن الانصات «الواجب» لقراءة القرآن الكريم التي تبثها تلك المكبرات، وطالب الشيخ في مقاله بالتزام ما انتهى إليه بحث الوزارة المعنية - وزارة الشؤؤن الإسلامية والأوقاف والدعوة وإلارشاد - في هذا الصدد، وهو ما يجري العمل به في الحرمين الشريفين حيث تقتصر مهمة مكبرات الصوت الخارجية على نقل الآذان فقط لتحقيق الغرض من ذلك بإشعار الناس أن وقت الصلاة قد دخل، أما الصلوات ذاتها فيكفي نقلها داخل المسجد عبر مكبرات الصوت الداخلية إذا ما دعت الحاجة.
ولا غرو أن هذا التنبيه يأتي من رجل تربى في بيت من بيوت العلم، ورضع لبانه وارتوى من مناهله على يد والده المفتي الفقيه الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - الذي أبلى بلاء حسناً طيلة حياته من أجل الحفاظ على نقاوة هذا الدين الحنيف من شطحات المفَرِّطين وحماس المفْرِطين، وقد ظهر ذلك جلياً في تنقية الشيخ للحديث النبوي الشريف وفي فتاواه واجتهاداته المستندة إلى الأصول الفقهية، المراعية للظرف الزمني المتغير، غفر الله له وسدد خطى أبنائه من بعده.
ومردداً ما توقى به الكاتب في آخر مقاله حين قال «أرجو ألاَّ يكون في إبداء الرأي أو النقد الهادف مجالاً لاتهام النيات أو الديانات»، لعلي أضيف أن الحكمة العامة في التشريع الإسلامي - كما هو معروف - تنشد إما لجلب المنفعة أو درء المفسدة وأن الأمر الأخير مقدم على الأول إذا اجتمعا في ظرف واحد.. وبهذا القياس لن نجد في الجهر نفعاً يقابل مضرة مريض أو طفل يؤذيه صوت المكبرات في هدأة الليل وسكونه!!.
|