Tuesday 3rd December,200211023العددالثلاثاء 28 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دفق قلم دفق قلم
تهمة التعقيد (1)
عبدالرحمن صالح العشماوي

هنالك مصطلحات يستخدمها الناس على غير حقيقتها، ويطلقونها على مواقف لا تنطبق عليها، ويتناقلونها بينهم دون تمحيص ودراية غافلين عما يسببه ذلك من تشويه، وظلم، واعتداء على سمعة الآخرين.
وأكبر مثل على ذلك مصطلح «الإرهاب» الذي صُنع في مصانع «الشائعات» الضخمة في أوروبا وأمريكا، وخضع لعددٍ من المواصفات والمقاييس قبل إطلاق مركبته في أجواء الإعلام، ووكالاته وقنواته، وصحفه وإذاعاته، وكيف لا ينطلق بسرعةٍ هائلة وقد رُكِّب فيه «صاروخ إرجافي» هائل دفع به إلى مسامع الناس في كل ناحية من كوكبنا الأرضي، نعم أشيع مصطلح «الإرهاب»، بصورة غير طبيعية حتى أصبحنا نرى صوراً تهجم على أذهاننا -شئنا أم أبينا - حينما نسمع مصطلح «إرهاب» حتى ونحن نكشف ما في إطلاق هذه الكلمة - بصورتها المعاصرة - من ظلم، وتشويه للحقائق، واعتداء على سمعة الآخرين، من الذي يسمع اليوم كلمة إرهاب ولايتخيل صورة رجل مسلم ذي لحية؟.
ألست ترى الآن كيف يمكن أن يتَّهم المتصدِّق على الفقير والمسكين، والمتكفل بمصاريف علاج المريض المحتاج، والراعي للأيتام والأرامل، والباني للمساجد ودور الرعاية الاجتماعية، بالإرهاب؟؟ نعم يتهم بالإرهاب بصورة غاشمة ظالمة تصوِّرها وسائل الإعلام الغربية، وبعض وسائله العربية على أنها هي الحق الذي يجب على الجميع ان يلغوا عقولهم ويصدقوا به.
وقد سبقت إلى هذا الترويج المقصود كلمة أخرى هي «التطرُّف» حيث أشاعتها الدوائر الإعلامية الغربية تعبيراً عن كل مسلم ملتزم بدينه مهما كانت درجة التزامه، وتأثرت بذلك وسائل إعلام عربية مسلمة حتى أصبحنا نرى مقالات وتحقيقات صحفية ورسوماً «للكاريكاتير» تربط بين «الملتحي» المسلم وبين التطرُّف بطريقة منافية للحقيقة، مخالفةٍ للواقع، وذلك ما حدث أيضاً لمصطلح «الأصولية»، وقبله لمصطلحات «الرجعية والتخلف» التي كان للشيوعيين العرب دورٌ ريادي - في فترةٍ من الفترات - في ترويجها وإلصاقها بالدين الإسلامي في كل مناسبةٍ تتاح لهم.
ومن المصطلحات التي تستخدم بصورة أعم وأشمل، وتشيع في المجتمعات، ويتناقلها الناس بينهم مصطلح «التعقيد»، إنها تسري على ألسنة الناس سواء طرحت إعلامياً أم لم تطرح؛ يتهم بها الطالب أستاذه الذي يميل إلى الجد ولايسمح بالإهمال، والابن أباه الذي يضبط المنزل بضوابط معينة حرصاً على سلامة أسرته أخلاقياً وفكرياً، وتتهم بها البنت أمها التي تحول بينها وبين بعض أنماط السلوك التي لاتليق، أو لا توافق ضوابط الأسرة وآدابها، وتتهم به المرأة زوجها الذي لايرضى بالغرق في تفاصيل الحياة غير المهمة أو «التافهة» التي تستغرق الوقت والجهد ولا تفيد، ويتهم بها الزوج زوجته التي تحاول أن تصرفه عن إهمال منزله وأولاده، أو تسعى إلى الحد من سفراته وسهراته، وروحاته وغدواته.
سألت أحد الطلاب مرة عن سبب شرود ذهنه، وظهور القلق والاضطراب عليه، وتدني مستواه الدراسي، فشكا إليَّ تعقيد الحياة المنزلية، وقال لي: أنا أعيش في منزلٍ معقَّد بين أب وأمٍّ لايحسنان إلا التعقيد لنا، فكل حركةٍ عندهما منافية للأخلاق، وكل ضحكة تدل على خللٍ في الشخصية، وقال الطالب كلاماً كثيراً في هذا الشأن، وعندما تابعت الأمر معه، وحاورته بهدوء حول ما ذكر لي، وهو طالب على أعتاب التخرج من الجامعة، تبيَّن لي أن كلمة «التعقيد» التي كان يتهم بها أباه وأمه، لم تكن موجودة أصلاً عندهما، واعترف بعد أن اطلعت على أحواله وحقيقة وضع أسرته أنه كان مخطئاً في إطلاق هذه الكلمة وتبيَّن له أن وقوف ضوابط الأسرة في وجه بعض رغباته هو الذي دفعه إلى التعبير عنها بالتعقيد، وقس على هذا الطالب كثيراً من أمثاله، وللحديث بقية -إن شاء الله.
إشارة


وكيف تخاف ظلماءَ المآسي
وعندك ألف قنديلٍ تضاء

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved