* القاهرة مكتب الجزيرة
علي البلهاسي
«القاعدة أولاً وأخيراً» يبدو أن هذا هو الشعار الذي يرفعه المتضررون عقب كل حادث إرهابي، ولا عجب في ذلك بعد أن صنعت الولايات المتحدة من تنظيم القاعدة رمزاً لكل الشرور في العالم وجعلت من زعيمه بن لادن أسطورة وعدواً خفياً تطول أصابعه كل مكان في العالم لتصنع عمليات ارهابية.
تنظيم القاعدة هو المتهم الأول بنظر الامريكيين في عمليتي مومباسا في كينيا ضد الفندق والطائرة الإسرائيلية وذلك وفق تصريحات المحققين الامريكيين والإسرائيليين والكينيين حيث تصب جميع الاتهامات حول مسئولية تنظيم بن لادن عن العمليتين سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. واذا ثبت أن القاعدة بالفعل وراء هذه العمليات فستكون هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها القاعدة اسرائيليين وهو ما يمثل نقلة نوعية على صعيد المواجهات الإسرائيلية لما تدعيه إرهاباً والذي نقل الصراع معها رغماً عنها إلى الخارج وهو ما أثار الرعب والفزع في نفوس الإسرائيليين الذين وجدوا أنفسهم مستهدفين في أي مكان يذهبون إليه.
ومن ناحية أخرى تراقب الولايات المتحدة في حذر عودة نشاط القاعدة من جديد من خلال عدة عمليات ربما كانت عملية مومباسا واحدة منها خاصة وأنها تأتي بعد التهديدات الأخيرة التي أطلقها بن لادن في الشريط الصوتي الذي بثته له الجزيرة مؤخراً.
فهل عادت القاعدة من جديد بالفعل؟.. وما هي حقيقة ضلوعها في عمليتي مومباسا.. التقرير التالي يحاول الاجابة على هذا السؤال.
القاعدة تعود
فور وقوع الهجمات في كينيا أعادت الأحداث إلى الأذهان مشهد تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998م وسارعت الولايات المتحدة ومن خلفها اسرائيل بتحميل تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن مسئولية الهجومين على الفندق والطائرة الإسرائيلية وأشارت مصادر استخباراتية أمريكية إلى أن جميع الدلائل تشير إلى تورط شبكة القاعدة في عملية كينيا نظراً لأنها عملية مزدوجة لا يمكن أن تنفذها سوى شبكة إرهابية دولية وأعلن راديو إسرائيل أن العملية نفذتها كوادر من تنظيم القاعدة وحدد الراديو اسمي عبدالله احمد عبدالله (المصري الجنسية) وفهد علي صيام باعتبارهما من كوادر القاعدة ومنفذي العملية وقال بعض المراقبين في إسرائيل وأمريكا أن عبدالله المعروف أيضا باسم صالح هو زعيم القاعدة في شرق أفريقيا كما أنه من قياديها بصفته عضواً في مجلس شورى التنظيم وتشتبه السلطات الأمريكية في أن عبدالله لعب دوراً مباشراً في التخطيط لحادثي تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998م.
وربط محللون بين التهديدات التي ألقاها بن لادن في آخر تسجيل صوتي له بثته قناة الجزيرة والذي توعد فيه بعمليات جديدة وأنها ستكون المرة الأولى التي يستهدف فيها تنظيم القاعدة اسرائيليين بعد ان أبدى بن لادن اهتمامه بالقضية الفلسطينية في تصريحاته الأخيرة.
وقال المحللون إن قيام القاعدة بتنفيذ عمليات كهذه وقت إجراء الانتخابات الداخلية في إسرائيل بمثابة رسالة للإسرائيليين بأن انتخاب المتشددين سوف يعرضهم لهجمات مماثلة وأنهم أصبحوا مستهدفين في أي مكان من العالم.
كما لم يستبعد الرئيس الكيني وقوف القاعدة وراء الهجمات وأشار نائبه إلى أن القاعدة مازالت ترصد كينيا وأنها ذكرتها بالاسم في تصريحات بعد هجمات 11 سبتمبر بوصفها هدفاً محتملاً في المستقبل وقال ان بلاده تلقت تقارير استخباراتية من دول صديقة في الشهور الأخيرة تشير إلى أن شرق أفريقيا هدف محتمل للقاعدة.
ولم يستبعد مراقبون أمريكيون في حالة عدم وجود صلة مباشرة للقاعدة بهجمات مومباسا أن تكون الهجمات قد تمت على يد إحدى الجماعات المتطرفة بدعم من تنظيم القاعدة وأشارت بعض المصادر إلى أن انصار القاعدة كانوا قد حذروا قبل أسبوع من شن عملية في كينيا.
وأشارت النتائج الأولية للتحقيقات إلى أن المتهم الرئيسي في العملية هو جماعة صومالية، متطرفة وصفت بأنها على علاقة بتنظيم القاعدة وأكدت التحقيقات أن هذه الجماعة تلقت تدريباً في أفغانستان وحصلت على دعم من تنظيم القاعدة وزعيمه بن لادن وانها كانت وراء عدد من الهجمات التي وقعت في أثيوبيا في عامي 96، 1997م بالاضافة إلى اختطاف عمال الاغاثة في الصومال وأن الجماعة التي يبلغ عدد أعضائها الفي عضو مسئولة عن عمليات إرهابية في القرن الأفريقي.
مخاوف أمريكية ورعب إسرائيلي
ورغم أن السلطات الكينية تقول ان المحققين لم يتوصلوا حتى الآن إلى إدلة على وجود صلة بين تنظيم القاعدة والهجمات إلا أن الولايات المتحدة مازالت تسعى للتحقق من ذلك، ويقول المراقبون ان الهجمات فجرت مخاوف أمريكية من عودة بن لادن والقاعدة للعمل ضد مصالحهما وأنه إذا ثبت صلة القاعدة بالهجمات في كينيا فإن ذلك سيعد دليلاً على فشل حرب واشنطن ضد الارهاب وضد القاعدة.
وقال مراقبون أمريكيون ان تفجيرات مومباسا تشير إلى طبيعة الخطر الارهابي الذي تتعرض له المصالح الأمريكية والي يتميز بالشمولية والانتشار وأن خلاياه النائمة بدأت عملها على الرغم من حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب وأن الهجمات أكدت أن أمريكا دخلت حربا شاملة حيث العدو موجود في كل مكان وأن التهديد للولايات المتحدة وحلفائها مازال مستمراً ومنتشراً في جميع انحاء العالم وأن الولايات المتحدة باتت تنتظر هجوماً جديداً لمصالحها في أي وقت وفي أي مكان.
وإزاء هذه المخاوف حذرت الولايات المتحدة رعاياها من أنهم قد يتعرضون لهجمات إرهابية في منطقة شرق أفريقيا خاصة في جيبوتي واليمن مشيرة إلى أنها تلقت معلومات باحتمال وقوع هجمات في جيبوتي مماثلة لهجمات مومباسا وأنها تعتقد ان هناك أتباعا لأسامة بن لادن في اليمن وأضافت أنها تلقت معلومات موثوقة تفيد بأن اعضاء من تنظيم القاعدة خططوا لهجمات على مصالح أمريكية في اليمن.
إلى ذلك أحدثت الهجمات صدمة داخل الشارع الإسرائيلي بعد ان شعر الإسرائيليون أنهم معرضون للخطر في أي مكان من العالم وأن الذعر والرعب سيطر على الإسرائيليين بعد أن أصبحوا مستهدفين في الداخل والخارج، وفي حين ذهب بعض المراقبين إلى أن الهجمات كان لها أثرها في ظهور دعوات داخل اسرائيل تدعو لوقف العنف والبحث عن حل سلمي للنزاع مع الفلسطينيين ذهب محللون آخرون إلى أن العمليات يمكن أن يكون لها نتائج خطيرة خاصة مع ما يحيط بالعرب والمسلمين من اتهامات بالارهاب بعد احداث 11 سبتمبر وهو ما ستسعى اسرائيل إلى تأكيده بعد تعرضها للهجمات كما سيستغل شارون الفرصة لتبرير المزيد من العنف وتصفية القضية الفلسطينية وسط صمت وتعاطف دولي كامل.
فمنذ هجمات 11 سبتمبر واسرائيل تحاول بلا جدوى ربط حربها ضد الفلسطينيين بحرب واشنطن ضد الارهاب وحاولت بشتى الطرق أن تقنع العالم بأنها تخوض نفس الحرب مع الفلسطينيين وجاءت الهجمات في كينيا فرصة لإسرائيل لتؤكد أن الإرهاب لا حدود له وأنهم في نفس الخندق الأمريكي ضد الارهاب.
وذكر بعض المحللون أن الهجمات في مومباسا أدخلت إسرائيل بشكل مفاجىء في حرب بوش على الإرهاب وذلك بعد تدفق مئات من القوات الإسرائيلية وعملاء الموساد السريين على كينيا للسيطرة على مجريات التحقيق في الحادث حيث توجه أكثر من 300 من الجنود المدججين بالسلاح وأفراد السلاح الجوي والفرق الطبية على متن خمس طائرات إلى كينيا للحصول على معلومات استخباراتية دقيقة لتحديد المسئولين عن هذه الهجمات وكيفية الرد عليهم.
ومن ناحية أخرى أصاب الهجوم الصاروخي الفاشل ضد الطائرة المدنية الإسرائيلية صناعة الطيران العالمي بصدمة كبيرة حيث كشف الهجوم عن التهديد الخطير الذي تمثله الصواريخ أرض جو المحمولة على الكتف بالنسبة لطائرات الركاب خاصة وانها رخيصة الثمن ويمكن الحصول عليها بسهولة وهو ما يجعل المنظمات الإرهابية قادرة على تدمير الطائرات المدنية وهي تقلع أو تحط في مطارات تفتقر إلى الحماية مثلما حدث في مومباسا.
من آثار الانفجار الذي استهدف إسرائيليين في كينيا وخلّف عشرات القتلى والجرحى.
|