تذكرت هذا العنوان الذي جعلته العنوان الرئيس «المانشيت» لصحيفة «الدعوة» في عددها «183» 27 رمضان عام 1388هـ.
وذلك بمناسبة مرور عام على ما سمي «بحرب الأيام الستة» 1967م وكان تحت المانشيت في الصفحة الأولى مقالان: أحدهما للشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ وزير المعارف حينذاك - رحمه الله - وهو بعنوان «هذا العيد لا معنى له» تحدث فيه عن نكبة العرب في هذه الحرب وما يجب أن يعملوه حتى يغسلوا عنهم هذا العار.
والمقال الآخر هو افتتاحيتي للصحيفة، وهو بعنوان «عيد تكدره المأساة» «جَرَّ عليَّ هذا العنوان الرئيس للصحيفة غضب شخصية لها مكانة أثيرة عندي.. واجهني غضبه وأنا مقبل عليه للتهنئة بالعيد ليقول لي «ما هذا الذي كتبت في الدعوة بأن العيد يسبب الأحزان».
قلت له بلطف: هل قرأت الكلام الذي تحت العنوان؟ قال.. لا.. ولكن أخبرني فلان.. قلت: ليتك قرأت الكلام الذي تحته قبل ان تحكم من خلال ما ينقله لك الآخرون..؟ وهل قرأت مقال الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ في نفس الصفحة.. وهو يتفق مع وجهة نظري حيال ما أشغلنا به الصفحة الأولى من الدعوة؟ فكان رده - رحمه الله - لا يقل قسوة عما قاله عن العنوان الرئيس.
كان أقسى ما في هذه المواجهة مع الرجل قولته «ليش تحزن المسلمين في عيد فرحهم.. الله يحزنك».
كان وقعُ دعوته عليَّ وقَعَ الصاعقة.. لا من حيث انه يحبني ويقدر كتاباتي الشعرية والنثرية ويتحدث عنها أحيانا مع زواره.. ومعي.. ولكن لأن هذه الدعوة جاءت في ظرف قاس عليَّ دون ان يكون لديه علم بذلك فقد كان ابني «زياد» يرقد على السرير الابيض في أحد المستشفيات الخاصة في «القاهرة» لاجراء عملية في رجله وكانت أمه ترقد بجانبه مرافقة له.
وأنا لاجل ذلك في حاجة الى شد أزري وبعث التفاؤل في نفسي ولكنه الغضب الذي ولده في نفسه تلك الساعة أحد الذين يحاولون نقل كلام هنا وهناك حول أشخاص يعرفون مكانتهم عند هؤلاء ويريد هذا الناقل «رحمه الله وعفا عنه» أن يحرض هذا على ذاك.. ويوقع بينهما القطيعة.
وصادفته في صالة مطار الرياض «القديم» وقد جاء لاستقبال الملك خالد - رحمه الله - قادما من خارج المملكة.. فلم يسعني الا ان أسلم عليه واستقبلني باسما رضيا كعادته معي ومع غيري ليقول لي حرفيا وبتواضع «الله اكبر يا عبد الله كبر رأسك علينا؟ ما عاد شفناك ولا زرتنا».
قلت: طال عمرك: راسي لا يكبر على احد من الناس أبدا.. ولو كبر - لا قدر الله - فهو لن يكبر على مثلك...
ومما يحمد لهذا الرجل الكبير - ومحامده كثيرة - انه صاحب دين قويم.. ومحب للعلماء وطلبة العلم.. وانه صاحب اطلاع واسع في العلم والثقافة فكانت لديه مكتبة حافلة بالمخطوطات العلمية، وقد أهداها ورثته الى احدى المؤسسات العلمية الكبرى - جزاهم الله خيرا -.
ان الذكريات لا يمحوها الزمان من الذاكرة.
|