عندما قاربت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء واستولى الحلفاء على ألمانيا، وبدا النصر وشيكاً مبهجاً، كان القائد الأعلى لقوات الحلفاء الجنرال آيزينهاور، يقول (إن نجاحنا في احتلال ألمانيا، لا يمكن الحكم عليه، أو تقييمه، إلا بعد خمسين عاماً، من الآن، وسنكون ناجين، إذا كانت ألمانيا، بعد خمسين عاماً من الآن، لا تزال تحظى، بديموقراطية مستقرة، مستمتعة بالرخاء الاقتصادي).
* لا أحد يستطيع التنبؤ، بنتائج الحرب، حتى عندما يكون منتصراً، والقادة العسكريون، وأصحاب الخبرة القتالية الميدانية، يقولون بأن الخطة العسكرية، حتى عندما تكون بالغة الإتقان، تبدأ في التغيير منذ اللحظة الأولى لإطلاق النار.
* والذين يستسهلون إعلان الحروب، والاندفاع إليها، والابتهاج، مقدماً بأحلام النصر ومهرجاناته، غالباً ما يذوقون مرارة الهزيمة وخيبة الأمل.
* كيف، إذن يكون الحال مع الذين يفكرون في إعادة رَسْم الجغرافيا وكتابة التاريخ، وهندسة المجتمعات وتشكيل الثقافة السياسية للأمم؟
* الذين يفكرون في ذلك فاشلون في نهاية الأمر، والذين يصدقونهم ويشاركونهم تلك الأحلام مخدوعون جاهلون بالتاريخ والسياسة، وحتى بقوانين الأواني المستطرقة.
* يذكر المؤرخ الأمريكي مايكيل بيشلوس، بأن وزير الخزانة الأمريكي في إدارة الرئيس روزفلت، أعدَّ مشروعاً يتم بموجبه تحويل ألمانيا، إلى دولة زراعية خالصة، بحيث لا تستطيع استخدام، قدراتها الصناعية، لامتلاك امكانيات عسكرية تهدد الأمن الأوروبي، والسلام العالمي، وكانت عند بعض المنتصرين رغبات انتقامية قوية في معاقبة ألمانيا، على نحوٍ يفوق العقوبات التي تم إنزالها، بها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
* تبدو الآن خطة وزير الخزانة الأمريكي مضحكة ومجنونة وكذلك كان ينعتها الرئيس هاري ترومان، وتبدو حكمة الحلفاء المنتصرين خاصة الأمريكيين معقولة وحاضرة عندما فكروا كثيراً وفكروا بعيداً في أن رخاء ألمانيا واستقرارها وشيئاً من كرامة شعبها هي مفاتيح السلام الحقيقي والدائم.
* ولكن ذلك كان زمان تشرشل، وروزفلت وايزنهاور ومارشال وكان جيلاً خاض حربين عالميتين خلال ثلاثين عاماً، واكتوى بنارهما وعرف ماذا تعني قرارات الحرب، وتبعات الاحتلال، وصراع الأفكار والثقافات والآيديولوجيات.
* الذين ينظرون إلى العالم وإلى الشعوب ككَعْكَة شوكلاته تغوص فيها، السكين بنعومة وسهولة ويتم لَعْق بقاياها بتلذذ وشغف هم الذين يصنعون الجحيم على هذه الأرض.
* والذين يستسهلون تعقيدات الحالة الانسانية ولا يرون فيها إلا الأبيض والأسود، غالباً ما ينجحون في تحويلها إلى اللون الأسود الغامق.
* لم تكن مشكلة العالم يوماً تواضع القدرات العسكرية، أو النقص في إعداد المغامرين العسكريين أو المهووسين الايديولوجيين.
* المشكلة دائماً هي في إعداد الناجحين حقاً في مادتي التاريخ والجغرافيا وكم منهم سينفذ إلى مراكز القرار السياسي مثل البيت الأبيض أو الرقم عشرة في «داوننج ستريت».
|