Saturday 23rd November,200211013العددالسبت 18 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الصدمة.. التي أرادها الأمير عبدالله الصدمة.. التي أرادها الأمير عبدالله
د. علي بن شويل القرني *

ما عرضته شاشة التلفزيون السعودي هذا (الخميس) من زيارات تفقدية للأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين حفظه الله يمثل نقلة جديدة في تفكير المسئولية السعودية، وتوجها نوعيا في ملامسة هموم المواطن، وتفقد أحواله المادية والاجتماعية.. وقد قام سمو الأمير بزيارات مفاجئة وبدون تمهيد أو تقدمات لأحياء وأسر فقيرة لم تتهيأ لها الفرص في ان تحظى بلقمة عيش هنيئة أو مستوى معيشي مناسب.. بل ان هذه المشاهد التي رأيناها تمثل حدودا تحت مستوى الفقر ولم نكن لنعلم بها لولا توفيق الله بأن سدد خطى الأمير عبدالله لمثل هذه الزيارات المباركة.. ونقول مباركة لأنها ستمهد لأوضاع معيشية أفضل بإذن الله تعالى..
تحية للأمير عبدالله وهو يدخل إلى مثل هذه البيوتات الفقيرة، ويتحدث إلى اخوته وأبنائه وبناته من المواطنين وهم في أوضاع بالغة القسوة شديدة الصعوبة.. ولم يخجل الأمير حفظه الله من عرض هذه المشاهد أمام جماهير الشاشة المتناثرين في كل أصقاع العالم.. نعم لقد قال الأمير بأن الفقر موجود في كل دول ومجتمعات العالم، إلا ان الحقيقة التالية لذلك ان كثيرا من هذه الدول تحاول ان تموه على مثل هذه الأوضاع وتسعى إلى إبراز المشاهد الحضارية والملامح الايجابية في مجتمعاتها.. ولكن الأمير عبدالله لم يتردد ان يأتي ومعه كاميرات التلفزة ومندوبو الاعلام ليشاهدوا بأم أعينهم هذه المناظر الصعبة.. ولم يكن هدف الأمير عبدالله -كما عرفناه- هو التباهي بزياراته التفقدية لمثل هذه الحالات، ولكن وبكل تأكيد فالأمير أراد ان يصعق المشاهد بمثل هذه المناظر المؤثرة، وخاصة هؤلاء من أصحاب الثراء والإمكانات في أن يشاهدوا بأم أعينهم هذه الحالات المأساوية التي تعيش بيننا وفي بلادنا وداخل مدننا.
لقد نجح الأمير عبدالله في ان يصدم الناس بمثل هذه المشاهد والأوضاع الصعبة، ولم تكن لتجرؤ كمرات تلفزة أو مايكروفونات اذاعية أو أوراق صحافية ان تنقل مثل هذه الصور وتبثها إلى الناس، ولكن تمكن هذا الأمير الشهم ان يصنع حدثا اعلاميا بحضوره الشخصي إلى مثل هذه الأماكن والبيوت ويتجول في أزقتها وأحيائها ويصافح الناس ويستمع إلى النساء والشيوخ والأطفال وهم يعبرون عن معاناة الفقر وظروف المعيشة الصعبة التي يواجهونها.
لقد أراد الأمير عبدالله ان يوجه خطابه ليس من ديوانه العامر أو قصر سموه في الرياض، بل من تحت ركام المعاناة وداخل عرائش هؤلاء المعدمين.. ولهذا جاء الخطاب مؤثراً والصور معبرة إلى أقصى درجات التعبير وإلى أقصى مستويات التأثير.. ولم تكن صدفة ان يختار الأمير عبدالله هذه الليلة المباركة من ليالي رمضان الكريم ليقوم بمثل هذه الزيارات لتترك أكبر الأثر وأعمق الأحاسيس في قلوب وعواطف الناس من أبناء هذه البلاد.
نعم لقد أراد الأمير عبدالله ان يتعاطى مع مثل هذا الشأن بشفافية عالية وبدون أي محاولة متوقعة للمعالجات الدبلوماسية لمثل هذه الأمور.. وقد أراد الأمير ان يضرب مثلا لكل قيادات العالم ومسئولي هذه المجتمعات في ان الواجب السياسي يحتم عليهم ان يدخلوا إلى أعماق الحياة في مجتمعاتهم، ويتواصلوا مع أفراد شعوبهم، وان يلامسوا همومهم الخاصة، ويسعوا إلى توجيه الإمكانات الرسمية والخاصة في التصدي لمثل هذه المشاكل والصعوبات.
تحية للأمير عبدالله وهو يضع بيده إطاراً جديداً لعمل الإعلام في بلادنا، فلم يعد الإعلام واجهات حضارية نحاول من خلالها ابراز الايجابيات، بل تعدى ذلك إلى ان يقوم الاعلام بعد هذا التاريخ 15 رمضان 1423هـ بمكاشفات مباشرة وتحقيقات منطلقة من داخل مجتمعاتنا، ولم يعد أمامنا إلا ان تقوم السلطة الرابعة بدورها الذي ينبغي ان تقوم به في المرحلة القادمة من تاريخ بلادنا.. نعم لقد قلب الإعلام السعودي فجر هذا اليوم صفحة جديدة من تاريخه وحدثا كبيرا من وجوده، وبات على الإعلام ان يباشر في نقل مثل هذه الصور وغيرها إلى القيادة السياسية لتتخذ حيالها مواقفها المعتادة في معالجة هذه الأمور.. والإعلام ينبغي ان يتوسع في كشف مثل هذه الأوضاع إلى أولياء الأمر حتى يتمكنوا من مشاهدة الواقع كما هو لا كما تعكسه عدسات تلفزة موجهة في كثير من الأحيان..
المشاهد التي رأيناها كنا نخشى أو نستحي ربما من عرضها أو مجرد التفكير في عرضها، أما اليوم فإن الأمور تختلف بل اختلفت كثيرا.. وسيكون اعلامنا أمام مسئوليات كبيرة في ان يواجه هذه القضايا بدرجة عالية من الشفافية.. هذا على مستوى عرض المشكلة، ولكن الاعلام يتطلب المجتمع منه ان يسعى إلى تعميق هذه المشكلة، وتوسيع معرفة الناس بها حتى يتعاون الجميع على وضع الحلول والمعالجات المناسبة لها.. فمن الطبيعي ان نعرف بان الدولة أي دولة لا تستطيع ان تواجه مشكلة الفقر لوحدها وبجهودها وإمكاناتها فقط، بل من المؤكد ان ذلك يتطلب جهود كل عناصر المواطنة الخيرة ومقدرات الوطن المباركة حتى تكون الحياة والمعيشة أفضل في بلادنا كما نتوقعها، وكما نريدها ان شاء الله.

* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved