Wednesday 20th November,200211010العددالاربعاء 15 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

كلمة حق كلمة حق
الشيخ/ داود سلمان القحطاني

بفضل الله ورحمته دارت الأيام ليستقبل المسلمون شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، شهر القرآن، والبر والإحسان، إن من رحمة الله على عباده المؤمنين أن جعل مواسم الخير والعبادة تتعاقب وتتابع لتكون محطات للتزود من الطاعات وأنواع القربات، تروض فيها النفوس على عبادة الله وتحملها على الصبر وتتحلل من أثقال الذنوب بالذكر والتوبة والاستغفار، والانابة إلى العزيز الجبار، وتتخفف من وطأة مشاغل وهموم الحياة فهذا شهر رمضان أطل على المسلمين بخيراته ونسماته ونفحاته وأنواره، لينهل منه المسلمون الخيرات، ويقتبسون منه العظات وتدمر فيه قلوب العداة، وتصفد فيه الشياطين، وتنكسر بذكرياته ومعطياته نفوس الطغاة.
فكم طال انتظارنا لهذا الشهر الكريم، تتلهف قلوب المؤمنين المخلصين لادراكه، وزاد شوقهم إلى بلوغه.
فمن رمضان الماضي إلى رمضان القادم كم حبيب فقدناه أدركته المنون وقطعت مسيرة حياته الدنيوية فأصبح من عداد الأموات، وهذه من أكبر العبر التي ينبغي للمسلم أن يقف عندها ليحدث نفسه ويذكرها ويحاسبها ويعاتبها على كل تفريط في طاعة الله، وعلى كل تقصير في عبادة ربه، وعلى كل ذنب اقترفه، ليكون من أصحاب النفوس اللوامة، فالنفوس ثلاث، المطمئنة وهي الدرجة الأولى نفوس الصالحين، المؤمنين، المخلصين لربهم الصادقين مع الله، ثم النفوس اللوامة وهي التي تلوم صاحبها على الذنب والتقصير وتحاسبه على غفلاته وتقصيره، ثم النفوس الأمارة بالسوء وهي نفوس من لم يجعل الله لهم حظاً في سعادة الدين والدنيا فاطلقوا لنفوسهم العنان ليتيهون في الأرض فساداً وتمرداً وعتواً حتى تهاجمهم المنايا ويصبحون في سحيق.
اخوة الإيمان إن شهر رمضان موسم عظيم، وميدان كريم ينبغي للمسلم أن يقف عنده ويستثمر كافة دقائقه ولحظاته لما يعود عليه بالرفعة في دينه وسمو خلقه، وعلو ذاته أتانا هذا الضيف الكريم ونحن في أشد ما يجب أن نكون عليه من الوحدة الإسلامية الصحيحة، والتضامن الإسلامي الحقيق، فقد كشرت الأعداء عن أنيابها، وشمرت سواعدها، والتقت قلوبها بأنواع الفتن والشر والكيد، واضمار السوء واظهار الحقد من خبايا نفوسهم الشريرة، وقلوبهم النجسة التي تفجرت غيظاً من شدة ما في ثناياها من المكر والجور للإسلام والمسلمين، فمن هنا يتحتم علينا أن نعمل بجد وعزم على بناء وحدتنا وترسيم علاقاتنا مع بعضنا ونتجرد من رواسب الفرقة والتنازع ونرص صفوفنا كما أرادنا ربنا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص {إنَّ اللهّ يٍحٌبٍَ الذٌينّ يٍقّاتٌلٍونّ فٌي سّبٌيلٌهٌ صّفَْا كّأّنَّهٍم بٍنًيّانِ مَّرًصٍوصِ} ويجب علينا أن نواجه أعداء الله والإسلام بصدق ايماننا بالله ورجوعنا إلى كتاب الله وسنة رسول الله معتقداً وعبادة ومنهاجاً وسلوكاً ومحتكماً وايماناً وتسليماً، لتغلب على الصعوبات وكافة التحديات ويجب علينا أن نتعانق بالقلوب قبل الصدور، وتتصافح النفوس قبل الأيادي، ونحقق مقتضى عقيدتنا وشريعتنا، فإذا كنا كذلك فلا ضير علينا {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا إن تّنصٍرٍوا اللهّ يّنصٍرًكٍمً وّيٍثّبٌَتً أّقًدّامّكٍمً}، وانني أذ أهيب بأبناء الأمة الإسلامية المجيدة وأنادي بصوتي اخواني في العقيدة وكلي ثقة كبيرة وأمل مطلق بأن تضع الخلافات أوزارها، وتؤدب القلوب إلى فاطرها وبارئها، وتأخذ من الآلام الماضية دورساً وعبراً وعظات، تنطلق من آثارها، وويلاتها، وأن نقف على أتقى قلب رجل واحد في مواجهة كل عدد مترصد يتربص بنا لنطمس قلبه وفكره وعقله ونقهقره إلى ردى ونرديه في سحيق بلا مدى، وبذلك نحقق اخوة الإسلام كما أراد ربنا منا {إنَّمّا المٍؤًمٌنٍونّ إخًوّةِ فّأّصًلٌحٍوا بّيًنّ أّخّوّيًكٍمً وّاتَّقٍوا اللّهّ لّعّلَّكٍمً تٍرًحّمٍونّ}.
فكفى بنا تمزقاً، وكفى بنا شتاتا، وكفى بنا آلاماً وكفى بنا حسرات، وآن لنا الأوان للتصحيح.
واقتضت الضرورات لغسل أدران التمزق والاختلاف في كل صغيرة وكبيرة وسد منافذ كل خلل يحول دون وحدتنا وزرع الثقة بيننا بصرف النظر عن كل ما يقوله العدو ويضخ به فظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
فندائي لجميع فئات أمة الإسلام قادة وشعوباً جماعات وأفراد أن يقفوا وقفة المؤمن المراقب ربه المؤمن به، الغيور على دينه وأمته وأبناء أمته الإسلامية.
ويكون عضواً فاعلاً صادقاً مجاهداً أبياً محمدياً اسلامياً مسالماً رحيماً.
ويأخذ من أيام هذا الشهر الكريم الدروس والعبر لبناء شخصيته الإسلامية، والاعتزار بهويته المحمدية فعسى الله أن يأتي بالفتح أوامر من عنده، فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved