إن الفرق بين الإنسان والحيوان لا يكمن في العقل وحده بل في أبعاد كثيرة، فالحيوان بخلاف الإنسان، كائن متخصص في ناحية من نواحي القوة، أما الإنسان فهو كائن ضعيف متكيف ولكنه قوي بضعفه، بمعنى أن الإنسان لا يملك كثيرا من المواهب التي تملكها الحيوانات.. الإنسان يملك حاسة شم إلا أنها ضعيفة عند مقارنتها بكثير من الحيوانات، فمثلاً لا يمكن مقارنة قدرة الإنسان على الشم مع الكلب الذي منحه الله حاسة شم عجيبة تستطيع أن تفرز الروائح المختلطة.
كما أن لدى الإنسان حاسة بصر ولكنها ضعيفة جداً عند مقارنتها بحاسة البصر عند الصقر مثلا.. وكذلك يملك الإنسان عضلات يصارع بها الطبيعة ولكنها تافهة إذا ما قورنت بعضلات الغوريلا، كما أن الإنسان يملك أسنانا وأظافر ولكنها متهافتة إذا قورنت بحيوانات كثيرة كالأسد وحتى القط وهكذا يرى دارون أن قوة الحيوان هذه هي مصدر ضعفه وضعف الإنسان هذا هو مصدر قوته، فالجمل على سبيل المثال يمتلك خاصية الصبر وتحمل العطش لأيام طويلة يحسده عليها الإنسان، ولكن هذه الخاصية جعلت منه كائنا محدودا ومقيدا بمنطقة جغرافية واحدة فلو نقل إلى الاسكيمو لنفق في الحال، وهذا ما ينطبق على الدب القطبي الذي يحسده الإنسان على قدرته على تحمل العيش في الأماكن الباردة ولكن لو نقل إلى الصحراء لهلك، فخاصية التفرد في القوة أو الموهبة الوحيدة تشكل خطرا على الحيوان لأن حياته ترتبط بهذه القوة، إذا فقدها فقد حياته.
أما الإنسان لأنه لا يملك قوة معينة يعتمد عليها نمت عنده قدرة التكيف، فالانسان يستطيع أن ينتقل من العيش في صحراء الربع الخالي إلى المحيط المتجمد الشمالي والعكس فضعفه هو مصدر قوته وهذا ما ينطبق في الفن الدرامي.
هناك فنانون لديهم مواهب متخصصة قوية، لكنها منفردة تلغي أمكانية تكيُّف صاحبها فمثلا هناك فنان قادر على تقليد الأصوات بشكل عجيب وهناك فنان قادر على تقمص شخصيات حقيقية وتقليدها، وهناك فنان لديه ميزات جسدية معينة كالإفراط في السمنة أو الطول أو الجمال أو الوسامة فيتمادى في توظيفها حتى تصبح تخصصية تبهج الناس أو تضحكهم أو تدهشهم عند توظيفها في نواحٍ معينة ولكنها تبقى ميزات تخصصية تفقد أهميتها في غير مناسبتها وتؤدي على المدى الطويل إلى كارثة بالنسبة للفنان حيث تتركز أهمية هذا الفنان في هذه الخاصية حتى تقضي على قدراته الأخرى فلا يستدعى هذا الفنان إلا إذا توفر دور يناسب تلك الخاصية المميزة، فتلك الميزة التي كانت في البداية قوة تصبح نقطة ضعف ومقتل أيضاً يعد الممثل فهد الحيان مثالا نموذجيا على نظرية ابن بخيت الدارونية ففهد الحيان تقولب في تلك الشخصية القائمة على شكله الفيزيائي وعلى مظهره الشخصي وليس على محتوى شخصيته الإنسانية، والحيان يشبه الممثل المصري يحيى الفخراني.. كلاهما يتمتع بخاصية السمنة وبالوجه الطفولي المحبوب وإذا قارنا بين مسيرة الاثنين سنرى أن يحيى الفخراني استطاع أن ينجو من التخصص فعرفنا يحيى الفخراني فنانا شاملا مرة مجرماً ومرة باشا ومرة زوجا ومرة سمينا أي أن الفخراني تجاوز فخ الشكل وأصبح فنانا شاملا عندما نراه لا نفكر في شكله الخارجي بينما يتجه فهد الحيان بشكل سريع إلى الغرق في فخ الشكل الخارجي.. الكثير يظن أن طاش ما طاش قدم الحيان للجماهير ولكن واقع الحال يقول إن طاش قولب الحيان وضحا به فبقدر ما أعطاه برنامج طاش من شهرة ساهم في تدميره ونلاحظ ان كل الأدوار التي يلعبها في طاش هي أدوار تخصصية حتى إن المعلنين أو متعهدي الحفلات يستعينون بفهد الحيان لا بصفته فناناً ولكن بصفته صاحب دور تخصصي.
مستنقع النجاح التخصصي الغرار الذي وقع فيه فهد الحيان بدأ يسحب كثيرا من الممثلين السعوديين فخالد سامي في مسلسل أبو رشرش يعيد تكرار شخصية ابو رويشد ليغرق فيها في النهاية وبشير الغنيم في شخصية سواق الشيوخ التي استمرأها وأخذ يكررها الشيء الذي لم يلاحظه عبدالله السدحان وناصر القصبي أنهما بدآ يسحبان قدراتهما الشاملة إلى مستنقع التخصص الداروني في شخصيات معينة ليغرقا فيها في النهاية.
أما لماذا يحدث هذا فتلك قضية أخرى يحسن السكوت عنها الان.
فاكس 4702164 |