تعد حوادث المرور واحدة من المشكلات التي تواجه الأجهزة الأمنية والدوائر الصحية والاقتصادية في المملكة لما ينجم عنها من خسائر باهظة ناهيك عن المعاناة الإنسانية والاجتماعية والمآسي التي تسببها هذه الحوادث للمتضررين وذويهم في كافة شرائح المجتمع.
وعلى الرغم من الجهود الضخمة التي تبذلها الجهات الأمنية لمكافحة هذه المشكلة ووضع الحلول الناجحة لها إلا أن حجم حوادث المرور في ازدياد وفقدت القيادة الآمنة في كافة المدن والطرق بسبب التهور والرعونة والسرعة الجنونية وهو أمر يتوجب أن نتوقف عنده وأن نحاول إيجاد الحلول له بعد أن وصلنا لهذه المرحلة الحرجة التي تهدد سلامة المجتمع وتهدر طاقاته البشرية والاقتصادية.
إن مهمة معالجة مشكلة حوادث المرور والحد من ارتفاع معدلاتها تحتاج إلى تدخل أعلى المستويات الإدارية في الدولة والتوجه بصدق لإيجاد الحلول لها ومعرفة أسباب عجز الأجهزة الأمنية والمرورية عن تحقيق أمن وسلامة الطريق ومعرفة المعوقات التي حالت دون تحقيق النجاح، ويعد جانب المشاركة المجتمعية نموذجا لأحد الحلول المطلوبة والتي تفرض وجودها بقوة. حيث أثبتت الدراسات والتجارب العالمية أن عمل الأجهزة الأمنية الرسمية لا يمكن أن يحقق كافة الغايات دون المشاركة التطوعية للمواطنين.
وهذه المشاركة تكون من خلال جمعيات أهلية أفرادها أكثر فاعلية ونشاطاً لأنهم ينطلقون من دوافع ذاتية. فهم يحققون ذاتهم ويشبعون رغباتهم من خلال خدمة الآخرين ومن هذا المنطلق فإن قيام جمعية تطوعية لضحايا حوادث المرور ينضوي تحت لوائها المهتمون ممن فقد أباً أو ابناً أو صديقاً إضافة إلى الباحثين والخبراء، سوف يشكل مرحلة متقدمة وقفزة نوعية في أسلوب محاولاتنا لإيجاد حل لهذه المشكلة.
هذه الجمعية بأهدافها النبيلة ودوافعها الإنسانية فهي تعد إحدى الوسائل المثلى لتفعيل مشاركة وتعاون المواطن مع الأجهزة الأمنية لمكافحة هذه المشكلة فمجتمعنا بحاجة إلى استثمار طاقات وقدرات أفراد وتوظيفها لخدمته، فهنالك العديد من أفراد المجتمع لديهم الرغبة والطموح في تقديم خدماتهم خاصة الذين عانوا بشكل مباشر ولصيق بفقدانهم لعزيز واكتووا بنار الحوادث المرورية الأمر الذي يجعلهم يبذلون قصارى جهودهم نتيجة لاحساسهم وشعورهم بالمرارة والألم وكذلك بعض شرائح المجتمع من ذوي الشعور الوطني الصادق في خدمة المجتمع.
ان هذه الجمعية إذ تكونت من أعضاء فاعلين صادقين هدفهم الأسمى الإسهام في حل المشكلة المرورية بعيداً عن الأضواء والظهور والمنفعة الشخصية من هذه الجمعية ووجدت الدعم والرعاية من أعلى مستوى تدعم عمل الحملات التوعوية وتكونرافدا لها، كما أنها يمكن أن تكون بمثابة الرقيب على السلبيات التي تحدث من الأجهزة الرسمية إضافة إلى إنها ستصبح قناة اتصال مع هذه الأجهزة لإيصال صوت المواطن وملاحظاته والتنسيق بين جميع قطاعات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، وتبذل جهوداً متنوعة قد لا تستطيع الجهات الحكومية القيام بها.
إن حجم هذه المشكلة والنظرة الاستشرافية للمستقبل تدفعنا للبحث عن حلول متعددة للقضاء على مشكلة حوادث المرور كما أن فهمنا للأمن يجب أن يكون فهماً موسوعياً وشاملاً فأمن المرور يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الاقتصادي والاجتماعي ولكي نرى هذا الأمن المروري واقعاً معاشاً ومتجسداً على أرض الواقع.
فلابد أن تركز جميع فعاليات المجتمع وافراده للتعاون والالتزام بأنظمة ولوائح السلامة المرورية، وأن هذا الالتزام نابع من ذاتهم لا خوفاً من عقاب وأن يستشعروا أن ذلك سلوك حضاري يفرضه حب الحياة وحب هذه الأرض المقدسة، وهو أمر ديني يحتم علينا احترام الآخرين وعدم الاعتداء عليهم.
وختاماً أسأل الله العلي القدير السلامة للجميع.
(*)استاذ السياسة الجنائية المساعد أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية |