نظرية المؤامرة، حقيقة متأصلة لدى البعض، وتجد لها حيزاً في العقل العربي والإسلامي، منذ القدم، فمنذ بزغ فجر الإسلام في ربوع مكة المكرمة، وصدع بدعوة الحق الهادي البشير -صلى الله عليه وسلم- وقبل ان تنتشر هذه الرسالة، خارج نطاق مكة، استشعرت قريش ان في ذلك خطراً يتهددها، وان هذا المنهج الجديد، الذي يستمد شرعيته، من الخالق الباري سبحانه، سيكون له اثر بالغ وشأن عظيم، في تغيير وجه الأرض، وإنه سيستميل القلوب والعقول في لمح البصر.
من هذا الجوار، ومن تلك الأصقاع المكية، وفي غمرة ذلك الحدث العظيم، الذي لم تألفه قريش والعرب قاطبة نسجت خيوط أولى المؤامرات ضد دعوة الحق ورسالة الإسلام، وبالتحديد من تلك الدار -دار الندوة- التي اعتادت قريش ان تناقش فيها كل أمر عصيب، أو أي حدث ذي شأن، ثم توالت الخطط والخدع، لإيقاع الضرر بهذا الدين وأهله، فكل عدو لهذه الأمة يعرف دوره، ويقوم بمهمته في كل مصر وعصر، فذاك عبدالله بن سبأ، صاحب الفتنة المعروفة، ومروراً بفتنة مقتل الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان - رضي الله عنه- ثم سقوط بغداد سنة 656هـ على يد التتار في مؤامرة كان لرجل واحد فيها الدور الأكبر ثم ضياع الفردوس المفقود في الأندلس، وكذلك القضاء على الخلافة الإسلامية بالتآمر على إسقاط الدولة العثمانية، ولاتزال المؤامرات ضد الإسلام وأهله تتوالى، كل واحدة أشد وطأة من أختها، وأثقل وزناً، وأنكأ جرحاً، وأعمق أثراً، وأشد فتكاً في جسد الأمة، حتى أصبح منهكاً، تتهاوى أطرافه تحت وطأة الأعداء.
تلك هي بعض الأحداث الجسام، التي عصفت بالأمة الإسلامية، في سالف الدهر وغابر الزمان، ونسبناها -مع تفاوتنا في ذلك- إلى تلك المؤامرات.
أما في زماننا المعاصر، فما أكثر المؤامرات التي حيكت لهذه الأمة، ابتداء من اغتصاب فلسطين، مسرى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم، وضياع بيت المقدس، في ظل تواطؤ دولي، وعجز إسلامي- لايزال المشهد على حاله حتى الآن -ومروراً بكل الأحداث التي سبقتها أو لحقتها، من هزائم مريرة، كان للمؤامرة دور مؤثر في حسم نتائجها لصالح الأعداء، مازلنا نتجرع مرارتها حتى وقتنا الحاضر.
أما قاصمة الظهر فكانت في أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، التي أظهرت ما كان يخطط له في السر إلى العلن، وتسريع ما كان مرجأ، فعلى الرغم من ضخامة الأحداث وجسامة الثمن، فحتى هذه اللحظة لم يحسم الأمر حيالها، على الأقل في محيط العقل العربي والإسلامي، بصورة حاسمة، بالرغم من ان الأسئلة التي تثار حولها أسئلة بدهية وأساسية.
هل هذه الأحداث اعتداء على أبرياء؟ أم دفاع عن الأمة الإسلامية ورد لكرامتها؟ هل هي جهاد، أو عدوان وبغي وظلم وجور؟ هل هي من فعل العرب والمسلمين أم مؤامرة خبيثة دبرت في ليل بهيم؟ من يقف وراءها، ولماذا؟.
وفي الحقيقة اني أرى ان الموقف الأقرب إلى الصواب، هو الموقف الوسط، بين موقف من ينسب كل ما يجري للأمة الإسلامية من أخطاء وكوارث وقصور، إلى تلك المؤامرات التي يدعون انها هي سبب كل شيء، حتى ولو كان كارثة طبيعية، من زلزال ونحوه، وبين أولئك الذين ينفون هذه المؤامرات بكل تفاصيلها، وبقضها وقضيضها، ويرون ان ما نحن فيه إنما هو من صنع أيدينا.
وكلا الفريقين -في رأيي- على طرفي نقيض في المسألة؛ فالمؤامرات موجودة في كل زمان ومكان، ولاتنجح إلا إذا وجدت التربة الخصبة التي تساعدها على النمو والتفريخ، فلكل شيء في هذا الكون بيئة حاضنة، فإن كانت البيئة التي يوجد بها، ملائمة لتكاثره، وصالحة لنشاطه، تكاثر ونما، والعكس صحيح، فلو نظرنا لما يحيط بنا في هذا الكون الفسيح، من الميكروبات والجراثيم والفيروسات، لوجدنا ان اعدادها تصل إلى المليارات، تهاجم كل مايوجد في محيطها، فإن وجدت دفاعات تلك الأجسام التي تهاجمها قوية؛ انكفأت، وعادت أدراجها.
أما إن وجدت الجسد ضعيفاً، وخطوط دفاعه متهالكة، ومناعته واهنة، وغير قادرة على أداء واجبها في حمايته، انقضت عليه بكل قسوة وقوة، وبدأت في إعمال معاولها هدما وتخريباً.
تلك هي حال أمة الإسلام مع المؤامرات الخارجية، فهي موجودة - أي المؤامرات- قطعاً ولكنها تجد البيئة الملائمة لها، في عقولنا قبل أجسادنا، ولا نبدي حيالها أدنى حراك، ولا نعطيها من الجهد ما تستحق.
وبالتالي فإن اثرها يكون عميقاً في كيان الأمة، وكل ما تمر به أمة الإسلام من تخلف تقني وعلمي واقتصادي واجتماعي وصناعي وعسكري يجعلها هدفا سهلا وغنيمة مجزية لكل طامع ومتربص.
فإن أردنا مواجهة المؤامرات ودرء خطرها، والقيام بدورنا الريادي لقيادة العالم من جديد، كما كنا ونحن مؤهلون لذلك، علينا العودة إلى شرع الله وتحكيمه في جميع شؤون المسلمين، أسوة بما هو معمول به في بلادنا بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية.
كما يلزمنا نبذ الفرقة والتحزب، والاعتصام بحبل الله المتين، واستنهاض الهمم، وتقدير الإبداع الخلاق، في هدي من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهذا كفيل بعون الله بعودة أمتنا إلى دورها الريادي الذي طال تخليها عنه، وستنكسر نصال الحاقدين والمتربصين، بهذه الأمة إن شاء الله، كما تحطمت من قبل، مثلما أشار إلى ذلك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بتصريحه القيم في حفل صحيفة الوطن مؤخراً.
عضو هيئة التدريس بكلية الملك خالد العسكرية |