المؤتمر التاسع للندوة العالمية للشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض في اواخر شعبان 1423ه، كان مظهرا من مظاهر تلاحم هذه الأمة، وصورة مشرقة من صور تآلفها ووحدة هدفها. مئات العلماء والمفكرين والدُّعاة من أنحاء العالم تجمعوا في بلاد الحرمين الشريفين، في مدينة الرياض، وتناولوا عدداً من القضايا العلمية والدعوية والفكرية التي تهم الإسلام والمسلمين في هذا العصر الذي أصبحت العداوة فيه ظاهرةً معلنة من قبل الغرب، وأصبح المسلمون فيه جميعاً في خندقٍ واحد يواجهون فيه الهجمات السياسية، والعسكرية، والفكرية. لا فرق بين محاربٍ ومسالم، فالجميع في نظر المارد الغربي إرهابيون. لا مجال لنقاط الاتفاق والالتقاء معهم.
اجتمع مئات العلماء والمفكرين والدُّعاة في بلاد الحرمين «الحصن الدافىء للاسلام والمسلمين ليؤكدوا إيمانهم بضرورة العودة الصادقة إلى الله عز وجل، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف، مع احترام اختلاف الرأي المعقول المقبول، وإزالة مظاهر الانحراف الفكري والعقدي، والأخلاقي التي تظهر في عالمنا الاسلامي، وإقامة مراكز التوعية والارشاد، وجمع الشمل وتوحيد طاقات الأمة المهدرة، والقضاء على كل ما يثير البغضاء، ويشعل نيران العداوة والشحناء.
أمة واحدة لها رسالة واحدة، ولها هدف واحد، أمةٌ جمعتها كلمة التوحيد لله عز وجل بصورة لا تتحقق إلا لها في ظل عقيدتها.
لقد جرت ندوات المؤتمر وجلساته بصورة جميلة فيها قدرٌ كبير من المصارحة، والبعد عن المواراة والمداجاة والمجاملة الزائفة، لأن المرحلة مرحلة وضوح، والوقت لا يحمل المجاملات التي لا تفيد، لقد كان الوضوح سمة هذا المؤتمر، وكانت مراعاة الواقع المعاش وسيلة من وسائل الطرح الموضوعي العاقل الذي لا يستسلم للعاطفة الجيَّاشة، والانفعال المتسرِّع، وإنما يقف موقف الحكمة بمعناها الصحيح «وضع الشيء في موضعه».
لقد طرحت في المؤتمر قضايا عالمنا الإسلامي الكبرى، وفي مقدمتها قضية فلسطين، كما نوقشت بوضوح قضايا الإرهاب، والتطرُّف، وتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتعصُّب الغربي، والصَّلَف الأمريكي، والتهديد الصهيوني للمنطقة العربية والعالم الإسلامي كلِّه.
وبدا جليَّاً في المؤتمر الشعور الواحد الذي يواجه به المسلمون في كل مكان أحداث هذا الزَّمان، ورفرفت روح المحبة والوئام على أجواء المؤتمر بالرغم من الاختلاف في بعض الآراء الذي يشكل ظاهرةً صحيَّة حينما ينضبط بضوابط الشرع الحكيم.
وناقش ضيوف المؤتمر قضية «الهجمة الغربية المتعِّصبة» ضد المملكة العربية السعودية، وأعلن الجميع بصراحةٍ ووضوح موقفهم الإيجابي من هذه الهجمة، واتفقوا على وجوب وقوف المسلمين جميعاً ضد هذه الهجمة، لأن المملكة هي صخرة الإسلام القوية التي تواجه تيَّارات الإلحاد والكفر في العالم، فهي مهبط الوحي، ومنطلق رسالة الإسلام، وقبلة المسلمين جميعاً، إنها الرَّمز الروحي للعالم الإسلامي، ولا يصح بحالٍ من الأحوال أن يقف العالم الإسلامي موقف المتفرِّج على هذه الهجمة العدوانية على هذه البلاد الطيبة.
لقد أكَّد الجميع أنَّ الوقوف مع بلاد الحرمين في وجه أعداء الإسلام واجبٌ لا يجوز التفريط فيه، فمعاول الأعداء تتجه إليها لأنها قلعة الإسلام الصامدة في وجه دعوات الإلحاد والانحلال الخلقي والانحراف الفكري، والتمزُّق الأسري.وأكد الجميع أهمية وضع ضوابط شرعية ثابتة للانفتاح على الغرب، والحوار معه، حتى لا تضيع الجهود هدراً.لقد كان مؤتمراً مهماً، وناجحاً، وسيكون نجاحه محققاً بإذن الله حينما ترى توصياته جدِّية التطبيق.
إشارة:
تموت المبادىء في مهدها ويبقى لنا المبدأ الخالد إذا عدَّد الناس أربابهم فنحن لنا ربُّنا الواحد |
|